السبت، 25 مارس 2023

الموسيقار ناجي القدسي

 الموسيقار ناجي القدسي

الميلاد والنشأة :

1944 م

مدينة عطبرة _ نهر النيل

ولد الموسيقار ناجي القدسي بمدينة عطبرة لأب يمني اسمه محمد عبد الله الهيثمي.

وأم سودانية من عطبرة اسمها فاطمة محمد سعيد الميرغني

مناسبة الاسم ناجي :

أنجبت فاطمة محمد سعيد في العام 1944 م توأمان سماهم والدهم اليمني الحسن والحسين تيمنا باحفاد الرسول الكريم شاءت الأقدار أن يتسمم الطفلان ويموت الحسن وينجو الحسين وسمي بالناجي 

التحق الطفل ناجي بالكتاب في مدينة عطبرة لحفظ القرآن الكريم والحديث قبل أن يدخل الكامبوني

الذي كان من بين المدرسين فيها إيطاليون كانت لهم صالة بعيدة عن الفصول يعزفون فيها ضروباً من الموسيقى العالمية (سمفونيات، كونشيرتات، سوناتات، موسيقى حجرة)

وهناك اكتشف شغفه المصيري بالموسيقى فكان يتسرب من حصص الدراسة متسللاً إلى صالة الموسيقى حيث تأخذه أنامل عازفة إيطالية إلى عوالم تسحر روحه وتملك شغافه.. بموازاة ذلك كانت أذناه الحساستان تصغيان دائماً لكل نغمة تندلع من آلة أو حنجرة.. أو جهاز إلى جانب أغاني الأمهات وحضرات المديح.. وغناء العمال والأغاني التي تنقلها أجهزة الراديو من الإذاعة المصرية... لكبار فناني مصر والشام..

في حوالي العاشرة من عمره سنة 1954م تقريباً انتقل مع أسرته إلى مدينة سنار... حيث التحق بالمعهد العلمي في سنار...

وبسبب شغفه اللافت بالأحاديث القدسية لقبه الكابتن ميرغني حامد حارس مرمى فريق الاتحاد بـ (القدسي) وأحبتها شفاه زملائه وأساتذته حتى اشتهر بها..

وفي سنار كون مع الشيخ إبراهيم سليم وآدم محمد صالح فرقة غنائية..

وبمفرده وحساسيته الفنية المفرطة تعلم العزف على العود... وبدأ التلحين وهو في الثانية عشرة تقريباً.

بعد منتصف الخمسينات من القرن العشرين انتقل مع أسرته إلى الخرطوم..وهناك واصل السعي لإشباع نَهَمِه للإبداع الموسيقي.. فالتحق بمدارس الجامعة الشعبية حيث درس الموسيقى على يد أستاذ العود المصري عبد المنعم عرفة.

تفجر موهبته الموسيقية وأعماله الأولى :

في السادسة عشرة من عمره أبدع أول تأليف موسيقي خاص به مقطوعة (آمال) التي سجلتها أوركسترا الإذاعة السودانية سنة 1961م، وفي ذات السنة كون مع الشاعر حسين حمزة وأخيه الفنان هاشم حمزة وعوض الله أبو القاسم فرقة فنية في الهاشماب بأم درمان.. ولحن مجموعة من القصائد للشاعر حسين حمزة هي: (جسمي انتحل، ضاع مع الأيام، سلوى، الدبلة، الصداقة، لاقيني في الأحلام)، وقد سُجِّلت كلها للإذاعة السودانية سنة 1961م بصوت الفنان هاشم حمزة ولاقت رواجاً كبيراً..

أغنية الساقية أيقونة الوجدان السوداني :

سنة 1967م كان الموسيقار قد بلغ ذروة انفجاره الإبداعي... وذات ليلة من ليالي عام 1967م التقى في إحدى أماسي الخرطوم بالشاعر المختلف عمر الطيب الدوش... الذي أعطاه كلمات (الساقية لسه مدورة) وخلال ليلتين على رملة شاطئ بحري وفوق مياه النيل أنجز اللحن الخالد الذي صار دهشة ليالي الخرطوم وسهراتها قبل أن يكون على موعد قريب مع صوت الفنان حمد الريح

في سنة 1969م أصدرت شركة منصفون جميع ألحان الموسيقار ناجي القُدْسِي للفنانين حمد الريح والتاج مكي، وأبو عركي البخيت على اسطوانات طبعت بجودة عالية في اليونان فملأ صداها الدنيا وشغل الناس... وتحولت أغنية (الساقية) من وقتها إلى واحدة من أهم علامات الموسيقى السودانية عبر تاريخها كله كما اتضح بها وبمجموع الأغاني التي أصدرتها منصفون ذلك العام.. أسلوب هذا الموسيقار المميز وبصمته الخاصة في سياق الموسيقى السودانية..واعتبرها السودانيون منذ ذلك الوقت أيقونة وجدانهم العام..

دخوله سجن كوبر بسبب الساقية 

بين 969م و1971م كان الموسيقار ناجي القدسي يتربع على عرش التقدير والإعجاب والاحترام في السودان بسبب لحنه (الساقية لسه مدورة) وجملة ألحانه التي تتغنى بها حناجر عدد من كبار المبدعين السودانيين.. وقد أنجز في هذه الفترة عدداً من الألحان الأخرى على قصائد لشعراء كبار من أمثال الكاتب محمود محمد مدني الذي كان نصيبه أربعة ألحان هي: (أمشي وتعال يا شوق) (يا سكة مشاية) و(أشتاق ليك)، (زي عيونك أصلو ما في).. كما أنجز ألحاناً أخرى كبيرة مثل: تراتيل، الشيخ فرح، وين خمايلك يا بنفسج، ومهما هم تأخروا، وقايلك خلاص، وكيفن كيفن..

وفي يوليو 1971م كان الموسيقار الفذ ناجي القدسي قد بلغ السابعة والعشرين من عمره... وبلغ ذروة النجاح الإبداعي بكل ما تعنيه الكلمة... وفي نفس الوقت كان على أعتاب أول المراحل في متاعبه ومعاناته التي ما زالت حلقاتها تتوالى إلى هذه اللحظة..

بدأت رحلة المعاناة بدخوله سجن كوبر على خلفية ترديد المتظاهرين لهتافات مناوئة للنظام على موسيقى لحنه الخالد (الساقية لسة مدورة) وذلك أثناء تداعيات انقلاب هاشم عطا... وحين خرج من السجن بعد ثلاثة أشهر قضاها فيه... وجد نفسه قد خسر كل شيء.. فقد ضُرِب حوله حصارٌ فني وسدت الأبواب دونه وفقد الحب الذي أجج في روحه كل إنجازاته الإبداعية التي حققها منذ عام 1966م حتى عام 1971م وجرب لأول مرة في حياته معنى أن يتعرض المرء لتخلي أصدقائه الخُلَّص عنه.

ظلام المعاناة والألم النفسي :

سنة 1972م أدت تداعيات ما مر به بعد دخوله سجن كوبر إلى إصابته بأزمة نفسية حادة جعلته يعيش حالة من القتامة والتدهور والظلام، راح يصارعها بموسيقاه الملهمة التي كانت نوافذ لروحه الموجعة... فاتجه بقوة إلى التصوف والتأمل لينجز قامات لحنية شواهق.. بدأها بثلاث عتبات صغار هي (البحر) و(بنيت فردوسي وزخرفته) لإيلياء أبو ماضي، و(اللاذقية) لأبي العلاء المعري، قبل أن يدخل في حوار إبداعي استثنائي مع الشاعر المتفرد محمد مفتاح الفيتوري من خلال قصيدته (معزوفة لدرويش متجول) و(ياقوت العرش) ثم دخل في صمت قاتل لأكثر من سنة استفزته بعدها حادثة اجتماعية فأنجز لحن (المحكمة) من شعر عباس الهاشمي... ومع هذه التجربة الفنية المميزة... عاش الموسيقار الموجوع دفيناً مع عبقريته في ظلام الأزمة والعزلة والحصار غير المفسر الذي ضرب عليه.. فقد تحاشت حناجر المطربين ألحانه... وأدى هذا إلى تأزم علاقاته بكل من حوله... وظل عذابه يتفاقم حتى أصابه اليأس من أي انفراج..

الخروج من السودان :

منذ عام 1976م غادر الموسيقار ناجي القدسي السودان.. ولم يعد يأتي إليها إلا لماماً.. في أوقات متباعدة..تنقل بداية بين السعودية والعراق، حيث قدم هناك تجارب لحنية مميزة..

قبل أن يستقر في بلاد أبيه اليمن منذ عام 1982م...

حيث تضاعفت عزلته، وانحصار الأضواء عنه، وانقطاع صلته بالعالم حد أن ضجيج ثورة مايو 1985م في السودان، تلك الثورة التي ردد مئات آلاف السودانيين هتافاتها على لحنه الخالد (الساقية لسه مدورة) لم تصل إليه أخبارها إلا بعد وقت، كما أنه لم يحاول الاستفادة من تغير الوضع والعودة إلى السودان.. مع ذلك فقد أنجز في اليمن عشرات الألحان الوطنية والعاطفية والصوفية على السلمين الموسيقيين الخماسي والسباعي..

في العام 2014م شيعت العاصمة اليمنية الموسيقار ناجي عن عمر ناهز '70' عاما في احد مستشفيات العاصمة اليمنية

بعد صراع مرير مع المرض الذي نجم عنه هبوطا حاداً بعد مرور يوم كامل على عملية القلب المفتوح الجراحية التي أجريت له. 

اللهم تقبله عندك مرضيا في عالي الجنان.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

في قعر ركوبة ست الشاي

 في قعر راكوبة ست الشاي جمبت ستنا                             مآآآآآآآ حارتنا  و بِنريدآآآآآآآ    !!!!!!! لبعض الأوباش في حارتنا وحدتنا الذي...

Post