التركي ولا المتروك ونهاية العملاء
الجمعة ٣۰ يناير ٢۰٢١
بقلم / ابراهيم محمد اسحق ابراهيم
كاتب صحفي وباحث
مقيم بالولايات المتحدة الامريكية
الناظر للاوضاع في بلدي الحبيب السودان , انه يشهد حروبات واقتتالا مستمرا, منذ ان اخذ في التشكل كدولة قامت علي انقاض ضم مملكتي سنار ودارفور , ظل ياخذ منذ وقتها شكلا من اشكال العداوة بين مكوناته الاجتماعية القام علي الاصطفاف العرقي الحاد , فمنذ تشكل الدولة السودانية الوليدة , ووراثتها من قبل عملاء المستعمر , الغازي , الا ان السودانيين لم يعتبروا ويتعظوا من دروس التاريخ , وتلك الانقسامات الثنائية اخذت علي مدي البعيد طابعا عدائيا يستغل الخلافات الثقافية او العرقية , لتوليد مزيد من الصراعات , في كل مرحلة , ويحولها الي حروب دامية , تخلف علي المدي البعيد جراحات ومرارات طائفية ومناطقية , تساعد في نشؤ حروبات اخري , ويستمر الاستقطاب وسياسة المحاور والتحالفات من خلال سياسة فرق تسد, ففي عهد الغزو التركي للسودان , تم استعمار السودان طمعا في المال ,, والذي كان هو الذهب وموارد البلاد ,والرجال الذين كان يستعان بهم في الحروبات لمزيد من التوسع واحتلال مزيد من البلاد , وبعد اخضاع البلاد قام بنهب ذهب السودان واخذ الرجال جنودا له وظل يمارس المستعمر نفس السياسة , مع تغيير طفيف في وسائله واساليبه فنرة يستخدم غاية القسوة لاخضاع السكان الاصليين , بنشر الفساد والرزيلة والفوضي , وقهر وازلال الثوار والمقاومين , ومرة اخري يصطفي بين هولاء , اناس يقربهم اليه كعملاء , يستخدم معهم سياسة الترويض , ويجعل منهم معاونين ومساعديين واداريين , الا انه يلعب معهم لعبة قذرة ويعمل علي تخريب عقولهم وتشويه فطرتهم و انسانيتهم , ولا يتكرهم الا وهم قد اصبحوا مغيبي العقول تماما, ومزيفي الهوية والانتماء والولاء, فلا هم من جنس المستعمر حتي يكونوا في مقامه ولا هم بقوا سكان اصليين, يلازمهم الشعور بالانتماء للارض والاحساس بالوطنية .
وهولاء لديهم شعور خاوي وسادية مفرطة , نابعة من عقدتهم وشعورهم بالدونية حيال سادتهم واستعلاء تجاه بني جلدتهم , ناشي من ارتكاب الفظائع والمجازر اثناء حملات الغزو والاسترقاق . مما يخلق منهم جنسا ثالثا متضطرب ومنفصل يعاني من صراع وعقدة الدونية امام سيده المستعمر ,ويحاول ارضائه بكل الطرق حتي لو كان علي حساب نفسه ووطنه واهله , ليتوقع ان يفيض عليه ببعض الفتات والالقاب والنياشين ليتمتع بغرور الاستعلاء امام بني جلدتة فيزدريهم ويقهرهم , وهو يعاني من الجبن والخوف الذي يجعله لايستطيع مواجهة المستعمر , ونشاء من هذا الواقع مصطلح السادة والعبيد , وابناء البحر والغرابة , والعرب والزرقة , والمركز والهامش , واولاد البلد اهل المدينة واولاد الريف اهل الخلاء , وجداد الحلة وجداد الخلاء , فيظل الصراع داخلي مستمرا علي الدوام بين ابناء الوطن الواحد المنقسمين علي انفسهم .
بعد حملات الدفترار الانتقامية واحتلال السودان , قام عملاء الاستعمار بممارسات بشعة ,فتم قطع اذان وبعض اطراف الضحايا من النساء والرجال وتعبئتها في جوالات وارسالها , للباشا دليلا علي الانتصار في المعارك , و عدد القتلي وكان ذلك جزاء من قاوم المستعمر , وقد واجه تلك المعاملة كل , من الشايقية واهل دارفور , واهل جبال النوبة وجنوب السودان , حدث ذلك في بداية عهد الاستعمار عندما استمال الاتراك الجعليين لصفه ودمة اهدافه فنبعت العدواة التاريخية بينهم , وبعد استسلام الجعليين وتتفيذهم لاجندة الغازي ,حاول المستعمر التركي ترويض المك نمر , *وفعل معه فيما بعد ما فعله مع الزبير واطلق عليه لقب الباشا , مقابل غزوات الرقيق والمال الذي كان يوفره لسادته ,في الباب العالي* من ذهب ورقيق . قام الزبير باشا بغزو دارفور وقتل السلطان ابراهيم قرض سلطان دارفور , فتم استدعائه الي مصر لمكافئته , الا انه وبعد تنفيذ اهداف الغازي المستعمر , كان جزائه السجن والنفي في جبل طارق ,
مضي عهد الاتراك وقامت الثورة المهدية وانتصرت واصطف السودانيين علي صعيد واحد , وبعد موت الامام محمد احمد المهدي , استطاع المستعمر ان يخترق صفوف الثورة واستطاع في عهد الخليفة اعادة تقسيم المجتمع لعهد ما قبل الثورة , فكان هنالك الاشراف اولاد البلد , وناس الخليفة الغرابة اولاد الخلا ء , وفي داخل المعسكرين احدث عملاء المستعمر انقساما حاد بين اولاد البلد الوطنيين والغرابة الذين ناصروا المهدي , وحتي داخل الغرابة حدث اصطفاف بين زعماء العشائر الاعراب التابعين للخليفة المسيطرين علي السلاح والمال , وسكان البلاد الاصليين اصحاب الممالك الذين وجدوا انفسهم انهم قد خدعوا وصاروا مجرد عبيد واسري حروبات المهدية لا حول ولا قوة لهم ومنعوا من حمل السلاح والمال , وهذا الواقع دفع الاشراف اولاد البد للاستنصار بالغريب , ضد بني جلدتهم واعادوا استعمار السودان بامل ووعد ان يتصدق عليهم المستعمر .
وتم القضاء علي الغرابة بمقتل الخليفة عبدالله التعايشي في موقعة ام دبيكرات ١٨٩٩ م .
وعاد الغرابة الي ممالكهم وولائتهم التاريخية , ووجد اهل البلد انهم خضعوا , وانهم اصبحوا ادوات طيعة لخدمة اجندة المستعمر وخدمة رغباته ونزواته .
شعر اهل دارفور ولمدة عشرين عاما , بعد سقوط المهدية ,بنفس الشعور وانهم اصابهم فايروس العمالة الذي زرعة المستعمر بين اهل دارفور اثناء فترة المهدية ولم ينتبهوا له , وبنفس القدر ادي بهم فيما بعد الي السقوط في قبضة المستعمر , واصبح السودان كله تحت قبضه المستعمر بفعل عملاء المستعمر .
وبعد نهب ثروات السودان واستغلال موارده حتي ١٩۵٦, نال السوان اسغلال مزيف وخلق المستعمر طبقة عميلة وكيله له في البلاد , واعطاهم سر اللعبة , لعبة الاحزاب صنيعة المستعمر وقمسهم الي فريقين , فريق ينادي بالتبعية لمصر وفريق ينادي بان السودان للسودانيين , فانقسم السودانيين علي هذا الاساس , وعلي قمة راس الهرم كان الزعماء السادة من البيتين الحاكمين لهم ولاءات سرية مع المستعمر , واختار منهم بعناية وكلاء لهم وجوه بيضاء ولكنهم يلبسون اقنعة سوداء , كانوا علي الدوام يديرون البلاد, كونهم قادة للجيش وراسمالية غنت عبر استخدام ادوات الدولة , جشعها جعلها منفذا لسياسات المستعمر بامتياز , قامت باحتكار السلطة والثروة وقمست البلاد الي مقدمة وموخرة وظلت تتقلب تحت لعبة حكومات العسكر الانقلابية وحكومات الاحزاب الديمقراطية المزيفة , ولم تتقدم البلاد , فقامت ثورة ١٩ ديسمبر وانهار النظام , ولكن ما زال عملاء ووكلاء المستعمر يمسكون باسباب القوة والحكم , المال والامن , فاخرجوا لنا هذه للمسرحية الهزيلة , وخوفا من ان تعود السلطة لسكان السودان , يغازل عبيد الباشا بالامس سادتهم , قائلين لهم نحن ما زلنا قابضين علي السلطة ,واننا استبدلنا ادوات اللعبة , فبدلا من الزبير باشا رحمةوابنة ,اتينا بالفريق برهان , فهيا اسرعوا قبل ان يفلت الامر من يدينا ??
وساعدونا علي تبديل الشعب السوداني باسرع ما يمكن حتي نتغلب علي السكان المحليين .
لقد وصل عدد القبائل التي تم استطيانها بعلم حكومة الثورة في شرق السودان من الرشيادةوالبني عامر وارتريا ثلاثة ملايين , اما في وسط وغرب السودان , في جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق , فعدد الذين اتي بهم من مالي والنيجر وتشاد , وبلاد الشام ليحلوا مكان سكان اهل السودان وصل الي اكثر من عشرة ملايين .
فصول الموامرة لم تنتهي بعد وما زال الاصطفاف والانقسام قائما.
خاتمة :-
عندما هاجم القائد جنكيز خان مدينة بخاري عجز عن اقتحامها فكتب لاهل المدينة :-
*ان من وقف في صفنا فهو امن , فانشق اهل المدينة الي صفين اثنين , الصف الاول رفض -العرض- والصف الثاني وافق .
*فكتب جنكيز خان لمن وافق علي الرضوخ , ان اعنتمونا علي قتال من رفض منكم نولكم امر بلدكم , فنزلوا لامره , ودارت رحي الحرب بين الطرفين .
*وفي النهاية انتصر طرف العمالة ولكن الصدمة الكبري ان التتار سحبوا منهم السلاح وامروا بذبحهم .
وقال جنكيز خان قولته المشهورة :-
لو كان يؤمن جانبهم ما غدروا باخوانهم من اجلنا نحن الغرباء , لا تقتلوا اسودكم فتاكلكم كلاب الاعداء .