طلب مني بعض الاخوه و الاخوات القائمين على العمل العام تقديم رؤيه حول كيفية ادارة ملف سياسة السودان الخارجيه في الفتره القادمه ..
و نزولا عند رغبتهم اقدم هذه الورقه المتواضعه علها تساهم في كيفية ادارة ملف السياسه الخارجيه ..
طارق كردي
فالينسيا ـ اسبانيا
يناير ٢٠٢١
بسم الله الرحمن الرحيم
رؤيتي حول ادارة ملف سياسة السودان الخارجيه في الفتره الانتقاليه
في البدئ نترحم على أرواح شهدائنا الكرام من شباب السودان البواسل الذين ضحوا بدمائهم الزكيه من اجل ان تنتصر الثوره, فلهم التحيه في عليائهم ..
الديبلوماسيه المهنيه التي وضع اسسها فطاحلة العمل الديبلوماسي امثال محمد احمد المحجوب و منصور خالد و جمال محمد احمد و ابراهيم طه ايوب و غيرهم سجلت غيابا تاما معظم فترة حكم النظام السابق, الا من محاولات فرديه من بعض جيل السفراء الذين تدرجوا في السلك الديبلوماسي في عهده الزاهي .. حيث كانت سياسة التمكين التي اتبعتها الحكومه السابقه و المحاصصات السياسيه التي تحكمت في تعيين كثير من السفراء من خارج السلك الديبلوماسي من اكبر الكوارث التي حلت على الديبلوماسيه السودانيه, بالاضافه الى اتباع سياسه خارجيه للبلاد سيطرت عليها الرؤيه الايدولوجيه لحزب المؤتمر الوطني, و التدخل المباشر لجهاز الامن المأدلج في صياغة سياسة السودان الخارجيه ..
و بالاضافه الى ذلك فقد ادت سياسة دعم الارهاب الدولي و استضافة قادة الارهاب العالمي, امثال اسامه بن لادن و ايمن الظواهري و كارلوس و غيرهم, و منحهم المأوى و الحمايه و حرية التنقل في كثير من الاحيان بجوازات سودانيه, ثم اتباع سياسة المحاور المتقلبه التي اتبعها النظام السابق, كل تلك العوامل ادت الى تدمير علاقات السودان الخارجيه .. و بالتالي اصبح السودان دوله فاقده للمصداقيه و منبوذه و معزوله تماما عن المجتمع الدولي, سياسيا و ديبلوماسيا و اقتصاديا .. كما وضعت تلك السياسات الرعناء السودان تحت طائلة العقوبات الامريكيه, بالإضافه الى قائمة الدول الراعيه للإرهاب ..
و تزامنت مع ذلك سياسات داخليه قائمه على الاقصاء و القمع و الاضطهاد و التعذيب, و غرقت البلاد في حروب داخليه قتل فيها الالاف و تشرد الملايين و حرقت الاف القرى و اهدرت جل موارد البلاد في حروب عبثيه, و اصبح السودان من اكبر الدول المصدره للاجئين و النازحين في العالم .. و بسبب تلك السياسات اصبح سجل السودان لحقوق الانسان هو الاسوأ في تاريخه .. و بالتالي عانت البلاد من عدة قرارات لمجلس الامن الدولي بعضها تحت البند السابع لميثاق الامم المتحده, و ادرج اسم السودان ضمن قائمة وزارة الخارجيه الامريكيه للدول الراعيه للارهاب, و تم وضعه تحت طائلة العقوبات الاقتصاديه الامريكيه و صار السودان تحت حصار اقتصادي خانق و حرم من دعم الدول المانحه و مؤسسات التنميه و التمويل الدوليه و المنظمات العالميه و حرم من ولوج منظمة التجاره العالميه و فقد مئات ملايين الدولارات من المنح التي كان يستحقها ..
اعادة هيكلة سياسة السودان الخارجيه
تعتبر السياسه الخارجيه العمود الفقري الذي من خلاله تستطيع حكومة الفتره الانتقاليه اقامة و تحسين علاقات السودان مع معظم دول العالم .. فالسياسه الخارجيه هي الخطه التي ترسم العلاقات الخارجيه للسودان مع الدول الاخرى, فالتخطيط للسياسه الخارجيه امر ضروري ينطلق من مصالح السودان العليا.. و بما ان الديبلوماسيه السودانيه هي احدى ادوات تنفيذ السياسه الخارجيه للدوله فمن الضروري العمل على اعادة تأهيل و هيكلة الديبلوماسيه السودانيه لكي تكون قادره على اداء مهامها على الوجه الأكمل.
البدايه يجب ان تكون بترميم السياسه الخارجيه للسودان و اعادة تأهيل الديبلوماسيه المهنيه في الفتره الانتقاليه و ذلك بالشروع الفوري في مراجعه شامله للسلك الديبلوماسي السوداني, و اجراء اصلاحات حقيقيه لسياسات السودان الخارجيه و لعلاقاته الدوليه بطريقه متوازنه تراعي مصالح السودان الاستراتيجيه و تحافظ على المصالح المشتركه مع الدول الشقيقه و الصديقه و تطويرها و بالذات دول الجوار, و البعد عن سياسة المحاور و الالتزام الكامل بالمواثيق و المعاهدات الدوليه و الاقليميه و الثنائيه, و الاحترام الكامل لحقوق الانسان ..
كما يجب العمل على ترسيخ العلاقات مع منظمة الامم المتحده و المنظمات الدوليه الاقليميه مثل منظمة الاتحاد الافريقي و الايقاد و جامعة الدول العربيه و منظمة المؤتمر الاسلامي و الاتحاد الاوروبي و غيرها, و ذلك لتوثيق الصله بين السودان و الدول الاعضاء في تلك المنظمات من اجل تحقيق الاهداف المشتركه ..
و لتحقيق تلك الاهداف الاستراتيجيه لابد من تأهيل و بناء قدرات و رفع كفاءة الكوادر الديبلوماسيه, و ذلك بإنشاء معهد للدراسات الديبلوماسيه يتبع لوزارة الخارجيه, و يقوم بتوفير احدث التدريبات العمليه و التطبيقيه لأعضاء السلك الديبلوماسي و القنصلي السوداني لتحقيق اعلى مستويات الكفاءه في العمل
و يقوم معهد الدراسات الديبلوماسيه التابع لوزارة الخارجيه بوضع برامج تعليميه للديبلوماسيين الجدد الذين يجب ان يجتازوا امتحان المسابقات التحريريه و القدرات و الاختبارات الشفهيه, الذين قد صدر قرار بتعيينهم في السلك الديبلوماسي السوداني .. و كذلك اعضاء السلك الديبلوماسي من مختلف الدرجات قبل نقلهم للخارج .. كما يجب تنظيم دورات خاصه لزوجات اعضاء السلك الديبلوماسي .. ويجب ان تغطي البرامج التعليميه و التدريبيه في معهد الدراسات الديبلوماسيه الموضوعات الثقافيه العامه, الموضوعات السياسيه, الموضوعات الاقتصاديه, الموضوعات المتصله بالقانون الدولي, الموضوعات الاستراتيجيه و الامنيه, المهارات الديبلوماسيه و المراسم, العلاقات الدوليه, اللغات الاجنبيه, و الشئون الماليه و الاداريه ..
كما يجب على وزارة الخارجيه العمل على استرداد الثقه المفقوده بين كثير من ابناء السودان في دول المهجر و البعثات الديبلوماسيه و القنصليه, و ذلك عبر تبسيط الاجراءات و خلق مناخ من الثقه و انشاء فرق استشاريه من الجاليات السودانيه للعمل مع البعثات الديبلوماسيه السودانيه للتواصل مع ابناء الوطن في الخارج, و القيام بمؤتمرات تشاوريه مع السودانيين في الخارج و العمل على انزال مقترحاتهم على ارض الواقع ..
الملفات العاجله ذات الاهميه الاستراتيجيه
نعرض نماذج لبعض الملفات ذات الاهميه الاستراتيجيه التي يجب على وزارة الخارجيه لعب دور اساسي فيها
متابعة ملف السلام
قضية السلام ليست مسأله امنيه بحته بل الجانب السياسي و الاجتماعي و المظالم التاريخيه مكون اساسي فيها و معالجة تلك القضايا حجر الزاويه في الوصول الى سلام مستدام ..
يجب على وزارة الخارجيه تنسيق مفاوضات السلام مع حركات الكفاح المسلح التي لم تلتحق بعد باتفاقية السلام الموقعه في جوبا, و ذلك من اجل تحقيق السلام العادل و الشامل في كل ربوع الوطن .. و ان تعمل الوزاره على تسويق الاتفاق الذي يتم التوصل اليه, عالميا, و العمل على وضعه على منضة مجلس الامن الدولى كوثيقه دوليه من وثائق الامم المتحده, بحيث يكون مجلس الامن الدولي احد الدعائم الضامنه للسلام في السودان, هذا بالاضافه لنا نحن كسودانيين اولا و اخيرا.. بالاضافه الى ذلك تقوم وزارة الخارجيه بتنسيق العمل مع الدول المانحه و منظمات الامم المتحده المختلفه و المنظمات الدوليه ذات الصله و مؤسسات التمويل العالميه و الاقليميه لتقديم الدعم و العون المالي و الفني و التقني لتنفيذ برامج نشر ثقافة السلام و رد المظالم و نزع السلاح و الادماج في الحياه المدنيه و العوده الطوعيه للاجئين و النازحين و برامج اعادة اعمار القرى و المدن التي تأثرت بالحرب الخ ..
ملف حقوق الانسان:
ظل ملف حقوق الانسان في السودان الاسوأ على الاطلاق منذ انقلاب الانقاذ في العام ١٩٨٩, و ظل السودان يقبع في ذيل القائمه بالنسبه لاحترام حقوق الانسان و يتأرجح بين البند السابع و البند العاشر و وصاية المقرر الخاص لحقوق الانسان .. مما اثر على علاقات السودان الخارجيه بصوره لم يحدث لها مثيل في تاريخ السودان و ادخل البلاد تحت سيف العقوبات الاقتصاديه و قائمة الدول التي ترعى الارهاب ..
هذا الملف يحتاج لعمل دؤوب مع المجتمع الدولي مدعوما بسياسات داخليه حكيمه و انهاء الحروب الداخليه و الاحترام الكامل لحقوق الانسان و انشاء الدوله المدنيه التي ننشد, و بناء الثقه مع المجتمع الدولي و عودة السودان كدوله معافاه و عضو فعال في المجتمع الدولي ..
ملف استرداد الاموال المهربه للخارج
هذا الملف من اهم و اعقد الملفات .. و تأتي اهميته من كونه يساهم في استرداد مليارات الدولارات المهربه للخارج و الناتجه عن فساد او استغلال للمال العام, اما التعقيدات فهي قائمه على العمل القانوني و الديبلوماسي المكثف الذي يجب ان تقوم بالتنسيق فيه وزارة الخارجيه بحنكه و حكمه .. و عليه تقوم رؤيتي على فتح نقاش جاد و مثمر مع المجتمع الدولي, بالذات الدول التي تأوي بنوكها تلك الأموال (سويسرا, بريطانيا, ماليزيا, تركيا, دولة الامارات الخ) و ذلك لإقناع تلك الدول لإتخاذ اجراءات قانونيه بتجميد تلك الاموال و الاصول كخطوه اولى, و من ثم إيجاد حلول غير نمطيه لتسهيل و الإسراع بإجراءات استرداد تلك الاموال على ضوء الانظمه القانونيه المعروفه ..
ملف جذب الاستثمار الاجنبي و الترويج للسياحه في السودان
العمل مع الوزارات المعنيه التي تعنى بتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الاجنبيه, لما لها من اهميه خاصه على تعزيز و دعم الاقتصاد الوطني, بحيث تقوم وزارة الخارجيه بالترويج للمناخ الايجابي للاستثمار الاجنبي في السودان, المناخ الذي صنعته ثورة ديسمبر المجيده, و التحول الديموقراطي في السودان, الذي يسهل عملية الاستثمار و جذب رؤوس الاموال الاجنبيه .. و ذلك بأقامة الندوات و النشرات و العمل الاعلامي الكبير و التواصل مع المستثمرين الاجانب و الشركات متعددة الجنسيات و رؤوس الاموال ..
كما تقوم الوزاره بعمل ترويجي كبير للسياحه في السودان بما يملك من مقومات سياحيه نادره من آثار تاريخيه ضاربه في جذور التاريخ, و مناطق سياحيه خلابه و حظائر و غيرها ..
ملف منظمة التجاره العالميه
السودان من الدول القلائل جدا التي فشلت في ولوج منظمة التجاره العالميه و مقرها جنيف, مما حرم السودان من انشاء علاقات تجاريه واسعه و الاستفاده من المعاملات التجاريه التفضيليه التي تقدمها قوانين المنظمه, و استثمارات الدول الاعضاء التي يمكن ان تدر على البلاد منافع اقتصاديه كبيره تساهم في دعم الاقتصاد الوطني المنهار .. و عليه يجب على وزارة الخارجيه تنسيق الجهود الحكوميه للتقدم في هذا الملف حتى يتم قبول السودان في منظمة التجاره العالميه ..
ملف الهجره غير الشرعيه
هذا من اهم الملفات لدى دول الاتحاد الاوروبي و اصبح يمثل تيرموميتر العلاقات بين الدول الاوروبيه و الدول الاخرى في مدى التزامها بمحاربة الهجرات غير الشرعيه .. و بما ان السودان يعتبر من اهم المعابر transit للهجرات غير الشرعيه من بعض الدول الافريقيه الى الدول الاوروبيه, يجب على الديبلوماسيه السودانيه التنسيق الكامل مع دول الاتحاد الاوروبي بخصوص هذا الملف الحساس ..
كل تلك الملفات و غيرها تخلف فيها السودان كثيرا خلال الثلاثه عقود الماضيه نتيجة لانعدام الثقه بين السودان و المجتمع الدولي .. و لكن بعد الثوره المجيده و رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعيه للأرهاب اصبحت الفرصه متاحه لتلعب الديبلوماسيه السودانيه دورا محوريا يعود من خلاله السودان عضوا فاعلا و نشطا في المجتمع الدولي ..
طارق كردي
فالينسيا - اسبانيا
يناير ٢٠٢١