*محمد صالح حموكي يكتب……..🖌*
*الديكتاتورية الصفراء*
قَلمي يَراعُ ضميري ، مِدادُه شَرَفِي ، و رَسْمُهُ خُلُقي ، فلا المالُ يُثنيني ولا السوط يُحنيني ، فالحَقَّ عندي حَقٌّ كما عند الحَقُّ حقاً.
تقديم مطلوب..
الديكتاتورية كلمة ذات معنى شاحب ، مقصدها الكبت والقبض والفرض والاستحواذ ، تتجلى وتتجسد في الحكم بالتسلط ، وفيها الفاعل و أدواته ، وغالباً ما تُنمَّط الدكتاتوريات وتختزل في الشخصيات ، من حيث الرأي والسلوك ، ومن انواعها الديكتاتوريات الطائفية والعائلية او الاسرية و الديكتاتورية الفردية. ومنها التلقائية والمصنوعة.
ومن من أهم ادوات وآليات تحقيق الحكم الديكتاتوري القوة النارية أو والجيوش والمال ، ويسبق ذلك لسانٌ فاسد وقلم مأجور .
نعمد الى جوهر المقال حيث *الديكتاتورية الصفراء* ذاك النوع الجديد بل القديم المستحدث المولود من رحم "*المؤسسليشيا العسكروإثنية*" تلك المنظومة التي أنشأها وخلَّفها المستعمر البريطاني في السودان فباتت تمثل الدولة والحكم ، فأنتجت دكتاتوريات متعددة الوجوه والأنواع ؛ منها ديكتاتوريات أشخاص و اُسر وعوائل ومليشيات ، ودكتاتوريات طائفية عقائدية.
ووفقاً لعوامل محددة وظروف إستثنائية وبعناية خارجية وخُطة محكمة فقد انتجت أكبر مليشيا منظمة ومقننة خرجت من تحت سيطرتها الى يد أعظم مافيات الإجرام والتسليح وصناعة الحروب والأزمات في العالم علي المستويين الإقليمي والدولي *ألا وهي مليشيا الجنجويد الديكتاتورية الصفراء*
والحديث عنها دائماً ما يثير القلق والتشنجات والتعصبات نسبة لمجانبة الصواب في تعريفها و وصفها بصورة غير دقيقة ودون تجرد كامل بانحياز أو ميول ونوعاً من الكراهية.
ويرجع السبب الرئيسي لعتبة التأسيس الصفرية لهذه المليشيا وهو الخطأ الجسيم الذي إرتكبته حركات المقاومة المسلحة في دارفور و وقعت فيه بدراية منها أو بدون والتي تجاهلت فيها إصطحاب كافة مكونات المجتمع الإقليمي لمواجهة السلطة المركزية في الخرطوم لجلب الحقوق ورد المظالم التاريخية الواقعة علي كامل جغرافية الاقليم بجميع مكوناتها الاثنية السكانية ، الخلل الذي أحدثت شرخاً مجتمعياً منح المركز فرصة تاريخية نادرة بإستغلال ذلك التجاهل أو الإقصاء للمكونات ذات الخلفية العربية ، فعمدت لتوظيف ذاك الخلل لصالحها بالتحريض للحصول على مبتغاها بتجييش المكون العروبي بالإيحاء عليه بأن هنالك خطراً وجوديًا يهدد بقائها وحقها في المواطنة على جغرافية الاقليم ، مستقلة بذلك البنية الهيكلية للحركات والتي يغلب عليها اللونية القبلية والشكلية الإثنية على كافة مستويات هياكلها التنظيمية من حيث القاعدة الجندية حتي القيادة الهرمية ، مما أعطى دافعاً ومبرراً للمكون العربي لحمل السلاح بصورة موازية دفاعاً عن بقائه و وجوده وحقوقه ، فإتخذت السلطة المركزية سياسة التجييش والدعم والتعبئة على ذاك الأساس ، فاستخدمت بعض القبائل ذات الخلفيات العروبية حوائط دفاعية في مقابل فشل إستعانتها بالقوات المسلحة "الجيش السوداني" بأسباب متعلقة بالسحنات والملامح الزنجيه كطابور خامس .
وبعد التدخلات الخارجية في الصراع السياسي للأزمة السودانية الدارفورية ، عند إستعانة الحركات بمافيا السلاح الدولية لطلب الدعم والمساندة ، رفعت الحكومة المركزية ملف الصراع في دارفور إلى دول المحاور الخليجية لاستقطاب الدعم المالي واللوجستي ومساندة الاقتصاد السوداني حتي لا يتأثر بالحرب. فتم تصعيد الملف في إطار إنقاذ الوجود العربي في السودان على غرار مانوفيستو حركة جيش تحرير السودان المستمد من أبجديات الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تعمد لتحرير السودان من العرب ، فوجد الأمر صداه و ءاذان صاغية من بعض الدول الخليجية المتورطة في الصراع ،فكانت الاستجابة الفورية بإستشعار الخطر والمهدد الجيواستراتيجي للوجود العروبي في السودان ذاك الامتداد العرقي الضارب ، فتم الدعم والتمويل بكميات ضخمة ،
فتطور الأمر بالنفير والاستعانة ، فتم إستدعاء الكثير من المجموعات العربية من دول المحيط السوداني المتاخمة لحدود إقليم دارفور للمناصرة والمؤازرة .
تحولت الخطة عند دخول الاقطاب الدولية الكبرى في الصراع بعد ملامسة المشروعات الاستعمارية المزروعة في افريقيا والتي خلَّفها المستعر وقت خروجه ، فتم إستثمار الصراع بزراعة أزمات وصراعات عميقة تمتد لمئات السنين في الاستمرارية والبقاء ، فجاء مشروع التغيير الديموغرافي الناقص بالاستيطان بالقوة وتهجير وتشريد السكان الأصليين.
حملت الإنقاذ هذا المشروع الكارثي كالمريض يحمل داءه ، لتأتي به وتطبقه على واقع وأرض الصراع في أول مهمة تنفيذية خارجية صادرة من الاقطاب الدولية والمحاور الاقليمية واجبة الأداء قبل تنفيذ مشروع فصل الجنوب . فكان أول إستعانة للمقبور البشير في بدايات الصراع وخلق مليشيا الجنجويد بإستحضار جزء أو بعضاً مما يقارب ١٥٠ الف مقاتل من البدون والبربر المتواجدين علي مثلث إمتداد الشريط الحدودي بين تشاد ، النيجر ، مالي والحدود الشمالية الشرقية لإفريقيا الوسطى.
وهذه المجموعات القتالية هي النواة الخبيثة الشريرة والمكون الاساسي لمليشيا الجنجويد التي تقتل وتغتصب وتحرق وترتكب افظع الجرائم وتقوم بتنفيذ كل ما هو مطلوب منها علي أكمل الوجوه وبدقة متناهية ، فتم تدجينها ونسبها للقبائل ذات الخلفيات العروبية المستقرة في دارفور لتأزيم وتعميق الصراع وضرب النسيج الاجتماعي وإحداث عزلة مجتمعية بين مكونات الاقليم الذي يخطط له يكون دولة مستقلة مولودة بصراعات ضاربة الجذور حتي لا تستقر ابداً لتنهض .
وبكل أسف قد وقعت بعض من هذه القبائل في الفخ مرتين وإبتلعت الطعم مرتين ، وكل ذلك بسبب جُهال مُثقفيها من أنصاف المتعلمين وبعضاً من إداراتها الأهلية المصنوعة والطامعين منهم ، و قد غابت البصيرة بغياب الحكمة والحكماء فيهم ومنهم من شيوخ ونُظار وعُمد ناصروا المهدية و رووا بدمائهم الطاهرة تراب هذا الوطن ، فكانت العاطفة حضور دون عقل والمشاعر مُستجيشة داخل النفوس تارة تثور للدفاع عن الذات والنضال ضد عدو وهمي مصطنع باحترافية