🛑حوار مع المذيع الراحل /ذو النون بشرى
✍️حاوره بالرياض / فتح الرحمن محمد يوسف
♦️يعدّ ذو النون بشرى أحد أبناء جيله المحظوظين,حيث تتلمذ على أعمدة إذاعة أم درمان الأوائل وبناة لبناتها الأولى أمثال محمد صالح فهمي, خاطر أبو بكر خانجي, علي شمو, أحمد الزبير, والذين اعتبرهم مدارس إذاعية قائمة بحالها لا تكرر, مؤكدا أن العطاء الذي قدم خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات عطاءا وافرا وثرّا لا مزايدة فيه.
وفي حوار الذكريات معه, قال إن (أفراح العرب) أول برنامج قدمه إلى الإذاعة, ومع أنه وجد نفسه في برامج المنوعات إلاّ أنه أكد أن (مع رواد أغنية أم درمان) أهم أحبّ وآخر برنامج قدمه وتمنى استمراريته والتي رأي صعوبتها في ظل رحيل رفيقه في هذا المشوار المحلل الموسيقي الفريد(أميقو).
♦️ ولا يتحرج ذو النون في إظهار شغفه بالإذاعة التي اعتبرها أمّه بعكس التلفزيون الذي يخشى أضواءه الكاشفة ويرى في سخط البعض عليه ومقارنته بالفضائيات الأخرى ظلم. والإذاعة عنده كنز أسرار السودان ومكتبته الجامعة لكل الفنون والآداب والتراث والسياسة بأشواقه وذكرياته وتوثيقاته والتي تمنّى تحويلها إلى كتب لتسد نقص المكتبة السودانية المقروءة, كاشفا عن مجهودته في إعداد كتاب أسماه(ذكريات حيّة) جمع فيه أشتات علاقاته وتجاربه ولقاءاته الإذاعية مع 65 شخصية.
❤️وبكل الحنين للماضي يبدي ذو النون خوفه على الإذاعة من الخطر الذي يتهددها بسبب تساقط الخبرات والقمم الإذاعية سواء بالموت أو الإحالة إلى المعاش أو الإقصاء والإبعاد, مؤكدا أن الشهادة الجامعية وحدها لا تكفي لخلق وحفظ التميز الإذاعي الموروث.
❤️وذو النون الذي يسكنه مزيج من الحزن والأمل ما زال يتذكر أيامه سجنه في كوبر عقب إنقلاب هاشم العطا, وإعداده لبرنامجه (صباح الخير يا وطني) لأكثر من خمسة آلاف سجينا, وصحبته لوردي ومحجوب شريف وود اللمين وهم يغنون لكسر حدة السجن والصمت ويكتبون الأشعار ويعبرون عن أفكارهم وحريتهم المسلوبة بالفحم والطين. والكثير المثير بين ثنايا هذا الحوار فإلى التفاصيل:
♦️ من ذو النون بشرى وكيف دخل محراب إذاعة أم درمان؟
🔶من مواليد أم درمان حيث نشات وترعرت ودرست بها جميع المراحل الدراسية. وتنقلت بحكم عمل والدي كضابط في الشرطة في كل أنحاء السودان تقريبا ومنها بورتسودان وكردفان ودار فور والجزيرة والشمالية .. إلخ . وألتحقت بالإذاعة السودانية في فجر الستينيات من القرن الماضي وتحديدا في عام 1961م وعملت بها وابتعثت إلى القاهرة إلى معهد التدريب الإذاعي ونلت زمالة المذيعين العرب وعدت إلى العمل الإذاعي لمواصلة المشوار وأثناء العمل تقلدت عدة مناصب منها مدير إذاعة ود مدني ومدير إذاعة جوبا ومدير إذاعة نيالا ومدير إذاعة ولاية الخرطوم ومدير إذاعة كسلا ومدير لإذاعة البرنامج الثاني وأخيرا مديرا لإذاعة وادي النيل وبعدها تقاعدت إلى المعاش في 2003م.
♦️ كيف بدأت حياتك الإذاعية وأنت تدلف إلى حوش الإذاعة السودانية العملاقة للعمل بها لأول مرة؟
🔶أول برنامج قدمته إلى الإذاعة بعد ( 2 - 3 ) أشهر من دخولي حوش الإذاعة كان اسمه (أفراح العرب) وألتقيت فيه مع الجاليات العربية الموجودة في السودان في ذلك الزمان وأذكر من بينها الجاليات المصرية والعدنية واللبنانية, وكان البرنامج بتناول العيد في بلدانهم ويتحدث عن عاداتهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم وأغانيهم وكل ما يتعلق بفرحة العيد ومظاهره في تلك البلاد العربية , ومن ثم أصبح البرنامج ملكا للإذاعة ويقدم في كل دورة إذاعية في ذلك الزمان.
♦️ العديد من الإذاعيين الأفذاذ سبقوك إلى رحاب الإذاعة .. من منهم كنت تعجب بأدائه وتأثرت بخطوه الإذاعي؟
🔶نحن نعتبر أنفسنا جيلا محظوظا لأنه عندما دخلنا الإذاعة في تلك الفترة كان أباؤنا أساتذتنا الكبار محمد صالح فهمي –خاطر أبو بكر خانجي – علي شمو – احمد الزبير موجودين في الإذاعة في تلك الفترة وبالتالي لا استطيع أن أحدد زيدا معينا ممن تأثرت به, ولكن أقول تأثرت بهم جميعا, ذلك لأن كل منهم يعتبر مدرسة إذاعية خاصة ولكل منهم أسلوبه في وفنه في العمل الإذاعي, فنحن لكأننا جمعنا بين هذه وتلك واستفدنا منها في مسيرتنا الإذاعية.
♦️ وأنت قدمت العديد من البرامج .. ما أكثرها قربا إلى نفسك وترى أهمية استمراريته على مدى الأيام؟
🔶حقيقة قدمت برامج متنوعة وكثيرة جدا وقدمت دراما إذاعية وبرامج دينية ومنوعات .. إلخ. ولكن وجدت نفسي في برامج المنوعات وتخصصت فيها ومنها قدمت مئات البرامج ولكن أعتقد أن أهمها وهو آخر برنامج قدمته برنامج (مع رواد أغنية أم درمان) وهو برنامج بحثي توثيقي عن التراث الغنائي السوداني وفي رأيي أغنيات السودان كلها تتبلور في أم درمان وأخذت شكلها وأسلوبها وطابعها منها, وهذا البرنامج كنت استضيف فيه المتخصصين أمثال الراحل أميقو ومحمد آدم ترنيم وثالثهم أنا على مدى خمس سنين, وتناولت خلاله الفترة الممتدة من زمن الحقيبة إلى فترة الرواد , (أحمد المصطفى – حسن عطية, الكاشف, عثمان حسين, عثمان الشفيع وبعد هذه المرحلة كنا نودّ الولوج إلى ساحة الفنانين مرحلة الستينيات أمثال محمد الأمين, أبو عركي البخيت, وبقية الجيل ونتدرج بالبرنامج إلى المرحلة الحالية ولكن للأسف توقف البرنامج وأميقو رحل عن دنيانا الله يرحمه وهو رجل بارع في التحليل وموسيقي من طراز فريد ولكن أعتقد أن هناك محاولات لإعادة تقديم البرنامج مرة أخرى بأشكال مختلفة.
♦️ حدثنا عن رفقتك وأولاد دفعتك؟
🔶نحن كنّا ثلة متفاوتة ولكن نعتبر جيلا واحدا ومنهم المرحوم أحمد سليمان ضو البيت وعبدالرحمن أحمد وعلم الدين حامد وعمر الجزلي وعبد الوهاب أحمد محمد صالح رحمه الله وكذلك كمال محمد الطيب ونحن كلنا كنا كجيل واحد تفرق بيننا شهور قليلة.
♦️ الإذاعة بين اليوم والأمس كيف تتنظر إليها؟
🔶ناس الإذاعة الأوائل مميزون ووضعوا الأسس واللبنات الأساسية الأولى للهيئة وقدموا أفكارا مختلفة من البرامج المنوعة سياسيا وثقافيا واجتماعيا وفنيا ومنهم أحمد قباني وعباس بانقا رحمهم الله وحمدي بولاد وحمدي بدر الدين ومجموعة طيبة ومتمبزة من الإذاعيين أيامها. أما الإذاعة اليوم فهناك العديد من المتغيرات العصرية حيث دخلها عصر التجديد وأصبحت تشتغل بالكمبيوتر بخلاف ما كانت عليه سابقا, حيث كانت تعمل بالأشرطة وبالتالي فهناك تقدم تقني وتكنولوجي كبير, وهذا قلص بدوره العنصر البشري ولكن أعتقد أن العطاء الذي قدم خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات عطاءا وافرا وثرّا وقلّ أن يتكرر.
♦️ بين النلفزيون والإذاعة .. الشاهد يرى أن ذو النون بشرى يميل كثيرا للإذاعة .. لماذا هذا الإنكفاء الإذاعي؟
🔶أنا دائما في مناسبات كثيرة أقول إن الإذاعة أميّ وفعلا الإذاعة بالنسبة لي مثل الأم وهي التي أنجبت التلفزيون وهي التي أنجبت المسرح القومي , فالإنسان التصاقه ومحبته دائما يكونان بأمه. أما بالنسبة للتلفزيون فأنا لا أحب الأضواء الكاشفة وفي اعتقادي يختفي وينتفي عنده عنصر التخيل بالنسبة للمشاهد بعكس الإذاعة يتمدد فيها الخيال على مساحا شاسعة, وبرغم ذلك قدمت العديد من البرامج التلفزيونية.
♦️ ما أكثر البرامج التي تشدّك وهي لغيرك؟
🔶كثيرة ومن أشهرها برنامج أستاذنا الراحل أحمد الزبير (أشكال وألوان) وهو المدرسة الأولى لبرامج المنوعات والتي وضع أسس برامج المنوعات ومن بعده الناس اقتفت أثره على هذه الأسس.
♦️ إلى أي مدى ساهمت الإذاعة في التوثيق الإرثي والفني والثقافي والسياسي بالنسبة للمنتوجات السودانية لهذه المكونات؟
🔶الإذاعة وثقت وحفظت تراث الأمة السودانية بأجمعه, يعني الفترات السياسية التي مرت بعد استقلال السودان مباشرة وكل ما يتعلق بالحكومات الوطنية والإنقلابات العسكرية محفوظة لدى الإذاعة السودانية وموثقة في المكتبة التاريخية بالإذاعة. وكذلك مسيرة كل الرموز السودانية من شعراء وأدباء وسياسيين وغيرهم بالإضافة إلى آلاف اللقاءات مع الرموز الأخرى والشخصيات السودانية الفاعلة في المجتمع وهذه كلها بوتقة من التراث السوداني الأصيل,حفظته الإذاعة ولو لا ذلك لما استطعنا الحفاظ على هذا التراث الثمين بأشواقه وذكرياته وتوثيقاته لأن الشخص صاحب الأمر أو المعاصر له يتحدث بنفسه وبصوته وليس هناك شئ أجمل من ذلك وهو دور عظيم وكبير تقوم به الإذاعة ولكنني كنت أتمنى لو أن عددا من الباحثين انبرى لهذا العمل الجبار بتفريغه من الأشرطة وتحويله إلى كتب توثيقية للكثير من الأعمال والشخصيات الأدبية والفكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية وبذلك يكون يكون قد أدى خدمة كبيرة للوطن وللشعب السوداني لأنه سيؤدي إلى سد النقص الكبير الذي تعاني منه المكتبات في هذا الجانب من الكتب لتصبح بعدها غنية بأمهات الكتب والمراجع التي يستفيد منها الكثيرون من الباحثين والمتطلعين إلى المعارف أوالذين يسعون لنيل الدرجات العليا في الدراسات بمختلف الصعد.
♦️ أنت عملت بالعديد من الإذاعات الداخلية بالاضافة إلى إذاعة أم درمان الأم .. ما هي أكثرها قربا إلى نفسك بشكل جعلتك تترك فيها بصماتك وما زلت تحنّ إليها؟
🔶أعتقد أن إذاعة ود مدني أكثر الإذاعات الولائية تميزا فهي إذاعة ولدت راسخة وبحكم أنها أقدم الإذاعات الولائية فقد تركت فيها بصمااتي الخاصة وما زلت أحنّ إليها بحق.
♦️ الاذاعة بين اليوم والأمس .. هل ترى أنها تراجعت وانتكست أم أنها تؤدي دورها كما ينبغي؟
🔶أعتقد أن الإذاعة كان أداؤها في الماضي مميزا وجميلا, فالاذاعة اليوم عمرها 68 سنة وهوعمر مديد احتوى وصنع تراكمات وخبرات عملية ضخمة على كافة الصعد, ولذلك أحسب أن الخبرات القديمة هو ما نفقده اليوم لأنها بدأت تتساقط إما بعامل الموت أو الإحالة إلى المعاش أو الإبعاد.
♦️ هل تعتقد أن الإبعاد و الإحالة إلى المعاش مورسا بشكل غير مبرر أي بشكل تعسفي؟
🔶لا .. لا أعتقد ذلك ولكنني أحسب أن هناك بعض الهنات التي صاحبت هذا الإجراء, إذ لا يمكن إبدال مذيع ضليع وصاحب خبرة لعشرات السنين كفيلة بمنحه درجة الدكتوراة الفخرية بآخر حديث التكوين الإذاعي وكل ما يميزه أن صاحب شهادة جامعية حديثة, وأنا أرى أن المذيع صاحب الخبرة والتجربة أفضل وأنفع للإذاعة والأداء الإذاعي من المذيع المبتدئ ولو كان صاحب شهادة, مع قناعاتي بأهمية التأهيل والدمج بين الخبرة والتأهيل الجامعي فما فوق يعتبر قمة العطاء والجدوى, وغير ذلك سيكون قصورا فظيعا وسيضر بالإذاعة ضررا بليغا وأتمنى الإحاطة بهذا الأمر واحتواءه لتصحيح مثل هذا الخطأ.
♦️ بين الإذاعة والتلفزيون أسست قنوات فضائية سودانية كالنيل الأزرق والشروق وهرموني وغيرها .. كيف تنظر إلى هذه الإضافة؟
🔶كنت قد عملت مستشارا بقتاة النيل الأزرق ولاحظت أن المشاهدين ينظرون إليها كقناة شبابية, وحقيقة ما يميز برامجها أن أغلبها يتم خارج الأستديو فهي تسعى إلى الناس في كل الأزمنة والأمكنة, ابتداءا من الطرقات والمحلات التجارية والأسواق وحتى البيوت وأماكن التجمعات, ولذلك كانت قريبة من وجدانهم وأحساسيهم وهمومهم وهذا الخط الذي ابتدعته جعلها تحتل مكانا مرموقا في قلوب الجميع وتنال ثقة المشاهد أينما كانوا, وعلى هذا النسق أتت كل من قناة الشروق وقناة هرموني ما جعل هذه القنوات إضافة حقيقية وتلامس حاجة المشاهدين.
♦️ التلفزيون السوداني .. البعض راض عنه والبعض ساخط عليه .. لماذا؟
🔶أعتقد أن الذي يجعل المشاهد للتلفزيون السوداني يسخط هو المقارنة غير العادلة مع قنوات فضائية أخرى حيث الأخيرة تتمتع بمميزات تقنية عالية وترصد لها إمكانيات مادية ضخمة بجانب أنها تعمل وفق أطر وحرية منفتحة تتجاوز خطوط المجتمع السوداني المحافظفي كثير من الأحيان, وتخرج عن سياق التكوين الإجتماعي والثقافي والأخلاقي الذي نعتز به, فتلك القنوات تعمل دون خطوط حمراء ودون تحفظات بشكل لا يتماشى مع أذواقنا وإرثنا. ولكن دعني أقول لك إن التلفزيون السوداني مشحون بعناصر جيدة ولكن لا نلاحظه إلا عند الأعياد والمناسبات والأيام المفتوحة وهي برامج غنية ببرامج المتعة المشاهدة غير أن التلفزيون يعمل تحت ظروف سيئة سببها شح المال والإمكانيات, إذ أن الإعلام أصبح صناعة تقوم على هذين العنصرين ويتصدرهما التمويل السخي اللازم لانطلاقة محمودة وقوية وماضية لا تتوقف سواء من ناحية المعدات أو دفوعات مستحقات العاملين به بما في ذلك المتعاونين. وعادة ما يكون التلفزيون السوداني خاضعا لمسألة الميزانية العامة, برغم أن الهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون هيئة مستقلة, على افتراض أن الأموال التي يكسبها التلفزيون من الإعلانات التجارية والرعايات يجب أن تكون لصالح هذين الجهازين للتطوير ولا تذهب لأي جهة أخرى خارجهما, كما لا يجب أن تحول إلى الميزانية العامة وهذا من أسباب خلق الظروف السيئة والصعبة التي تعاني منها بيئة العمل بهذين الجهازين, حيث أنه إذا أحد من العاملين بهما انبرى لأن يسافر إلى بلد ما لأدا عمل إذاعي أو تلفزيوني ما كالتغطيات أو الحوارات مع شخصيات سياسية أو فكرية أو أدبية أو اقتصادية .. إلخ لن يجد المال الكافي الذي يسهل له أداء هذه المهمة أو تلك من تذاكر ونثريات إعاشة وسكن وتبعات أخرى تتعلق بالعمل بسب أن الميزانية لا تسمح بذلك وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى أن يؤدي العامل أو الفريق المنوط به انجاز تلك المهام لأن يقوم بأداء عمل آخر بديل, ولكنه بقطع الشك لن يرقى إلى المستوى المطلوب, ولذا أؤكد أن العنصر البشري والفني موجود ولكن الإمكانيات تقف حجر عثرة أمام الأداء المتميز وإبراز المستوى المطلوب من الانتاج الاعلامي مما يظهره بمستوى ضعيف لا ينال رضا المشاهدين في غالب الأحيان.
♦️ نسمع بين الفينة والأخرى بأن هناك صراعات بين الإدارات في الإذاعة والتلفزيون .. ما حقيقة ذلك وما أثرها على الأداء والمهام في هذين الجهازين؟
🔶أولا أرجو أن أصحح كلمة صراعات ودعها بأن تكون حساسيات في العمل, وأعتقد أن هذا شئ طبيعي ويمكن أن يكون هناك احتكاك غير أنه لا يرقى إلى مستوى صراع, ذلك لأن العمل في هذين الجهازين العملاقين يتم تحت هيئة واحدة وجهة واحدة لا تسابق فيها على مناصب ولا على مكاسب من أي نوع آخر, إلاّ أن الحساسيات في العمل تولد بسبب اختلاف في الرأي لا يصل درجة مستوى التناحر والخصام.
ولكن قد تكون هناك تنقلات لمدير قسم أو إذاعة ليحل محل آخر وهكذا دواليك وهذه ترجع لمقتضيات العمل ولا تكون نتيجة ممارسات سياسية ولا ينبغي ذلك طالما العمل يسير في الخط الوطني المرسوم على أسس سليمة وما يصلح لهذه المرحلة قد لا يصلح للمرحلة القادمة فالإقصاء والتنحي والتنقل موجود وهذا شئ طبيعي وتطلبه طبيعة العمل.
♦️ ما حقيقة الحريق الذي طال عددا كبيرا من الأسطوانات الإذاعية على أهميتها؟
🔶هذه مسألة قديمة جدا وحتى نحن لم نحضرها وقد حدث ذلك عند انتقال الإذاعة من المبنى القديم إلى المبنى الجديد.
♦️ السودان يمر بمرحلة مفصلية في خضم المشاكل التي يعيشها السودان والحروب والنزاعات التي يؤججها مغرضون من داخل وخارج السودان جعلته على كف عفريت .. ما دور الاعلامي السوداني بمختلف المذاهب والتيارات الذي يخدم وحدة الوطن والخروج به إلى بر الأمان؟
🔶السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم, بل أصبح الآن قبلته وأمله من أجل الغذاء والنفط, وهذا ما جعله ميدان للعبات الخارجية والتي تريد العصف بالسودان للاستئثار بخيراته, ومن هنا تكمن أهمية إدراك الاعلامي السوداني الناجح لرسالته وكيفية تناول قضايا البلد بفهم عميق ووفق متطلبات المرحلة والتفريق ما بين نوع الممارسة التي تفضي إلى بلد واحد موحد وسالم وآمن يسوده وفاق وطني وبين ما يفضي إلى غير ذلك, حتى يكون سدا منيعا ضد أي إعلام أجنبي مناهض صاحب غرض وأجندة خارجية ولا يستقي معلوماته بموضوعية مجردة.
♦️ عبر مشوارك الإذاعي مرت بكثير من الفنانين .. من منهم يعبر عن وجدانك وما أكثر الاغاني قربا الى نفسك؟
🔶بحمد الله عشنا مراحل معظم الفنانين الكبار في أوج إنتاجهم وإبداعهم ومنهم أحمد المصطفى – عثمان حسين – إبراهيم الكاشف – حسن عطية – عثمان الشفيع - التاج مصطفى – محمد وردي - محمد الامين – سيد خليفة – ابراهيم عوض – عبدالعزيز محمد داؤود – عبدالكريم الكابلي.. الخ, ولكن حقيقة وأقولها بكل صدق انجذب وأحسّ براحة عندما استمع إلى سيد خليفة, إذ أنه فنان صاحب عفوي صوت مشحون بالشجن المشبوب بظلال من الحزن الدفين الصادق الممزوج بشئ من الفرح والأمل, وهذه الخلطة ( مالكاني وعجباني شديد). أما أكثر الأغاني قربا إلى نفسي هي أغنية ربيع الحب للمبدع إدريس جماع, وبالرغم من أنها كانت من بدايات سيد خليفة وليست من تجاربه الأخيرة إلاّ أن جماع نظم عقدها بشكل رائع وسكب عليها سيد خليفة عمقه الموسيقي, حيث كان قد ظهر في القاهرة قبل أن يظهر في السودان كدارس لموسيقى ,ولذلك كانت أغنية ربيع الحب أغنية خالدة.
♦️ ماذا عن تجربتك الشخصية مع بعض الفنانين الذين تغنوا بأشعارك ومن هو أول من صدح بقصيدة لك وغيرت مجرى حياته الفنية؟
🔶الحقيقة الكثير من الفنانين تغنوا بكلماتي وفي مناسبات عدة وبعد ذلك لي علاقات حميمة معهم , إذ كنت أترك الإذاعة جانبا وأتعامل مع الفنان كإنسان وكصديق وأنشئ معه صداقة لا ارتباط لها بالإذاعة البتة. وأنا أقوم بإعداد كتاب جمعت فيه أشتات علاقات وتجارب ولقاءات ليس لأتحدث عن خبرتي فحسب ولكن لتكون بعض المحطات التي وقفت عندها خلال السنوات الطويلة التي عشتها بين حنايا أمّي الرؤوم الإذاعة وفي حوشها الفسيح بذكرياته وأشواقه مع الفنانين ومع شخصيات أخرى مهمة في حياتنا وفي حياة أي سوداني, حيث تحدثت فيه عن 65 شخصية منهم فنانين وشعراء وكتاب ومفكرين وسياسيين وأدباء وعلماء .. إلخ من داخل وخارج السودان بما في ذلك مصريين وأسميته (ذكريات حيّة). وكان من المفترض ان يطبع هذا الكتاب لأشارك به ضمن مهرجان الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م ولكن للأسف الشديد كان المهرجان أكذوبة كبيرة حقيقية لأنه فشل في تقديم الفعاليات الثقافية كلها والكتب التي طبعت لهذه المناسبة كانت ضعيفة ودون المستوى فقط عبارة عن لافتات وطال ذلك حتى المسارح برغم أنه تم تهيئتها لتقديم مسرحيات كبيرة وهادفة .وحقيقة كان المهرجان مخيب للآمال وقد أجمع كل الإعلام المقرؤ على ذلك وهاجمها بعنف ولكن لا حياة لمن تنادي.
أعود فأقول إنه قد تغنى لي عدد كبير من الفنانين الكبار, حيث تغنى لي شرحبيل أحمد أول أغنية جاز في السودان وهي أغنية (حلوة العينين) وهي التي غيرت مجرى حياة هذا الفنان العملاق من الغنى الوتري إلى غنى الجاز وهي أول أغنية بهذا الشكل في السودان. ومن أعمدة خلاصة الفن السوداني الذين تغنوا لي أيضا عبد العزيز محمد دؤاود وصلاح بن البادية وأحمد الجابري الذي تغنى لي آخر أغنياته التي اختتم بها حياته وهي (مرسال الشوق) وهي أغنية عاطفية كما غنى لي إبراهيم اللحو وعبدالدافع عثمان وحمد البابلي في أغنية (يا أمّي).
♦️ لماذا هذا الهجوم العنيف على مهرجان الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م وما أسباب ضعف مناسبة كبيرة كهذه؟
🔶يعود السبب الرئيسي لسوء اختيار الشخصيات التي قامت على أمر هذه المناسبة لقد كانوا غير مؤهلين غير كفؤين وغير مختصين.
♦️ لماذا لم يتغنى لك فنان الشجن عثمان حسين والفنان الذري ابراهيم عوض وفنان أفريقيا الأول محمد عثمان وردي؟
🔶بلا شك هؤلاء فنانون كبار وأحبهم جدا واستمع لهم بنهم شديد, غير أن أواصر الصداقة بيننا كانت شاغلة كل الحيز الزمني الذي كان بيننا, فهم جميعا تربطني بهم صداقة حميمة جدا وقد جمعتني بهم ظروف لا تنسى وذكريات مترعة بالأشواق لا تجفّ ابدا وتمتد إلى هذا الوقت من عمري.
♦️ كان قد تم اعتقالك مع الفنان محمد وردي والشاعر القامة محجوب شريف والفنان الكبير محمد الأمين .. ما قصة هذا الاعتقال وما الظروف الذي اكتنفته؟
🔶كان ذلك إبان حركة يوليو 1971م (حركة هاشم العطا) بسبب ندوة إذاعية كنت قد نظمتها واستضفت فيها كل من الفنانين محمد وردي محمد الأمين والشاعر محجوب شريف, وكنا نتناول فيها بعض القصائد, منها ما هو عاطفي ومنها ما هو وطني ومنها ما هو حماسي, وفور عودة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري إلى سدة الحكم بعد الإنقلاب مباشرة فوجئنا بأمر حبسنا ومن ثم اعتقال أربعتنا بسجن كوبر. وهناك جمعتنا ظروف السجن بمرارتها والتي لا تتكرر خارجه, وعشنا فيه أصعب وأمرّ أيام حياتنا, حيث دام سجني لسنتين ووردي سنتين ونصف ولكن آلينا على أنفسنا أن نكسر قسوة وحدة السجن بالأغاني. وأذكر في هذه المناسبة أن الأغنية الجميلة (طرح الدين) للشاعر التجاني سعيد لحنّها وردي داخل السجن , أما أنا فكنت أعدّ وأقدم برنامج (صباح الخير يا وطني) من داخل السجن أيضا وعندما خرجت من السجن قدمته في الإذاعة.
🔶وكنت داخل السجن أقدم ذلك البرنامج للمساجين والذين يفوق عددهم الخمسة آلاف سجينا على الهواء, كما قمت بإخراج مسرحيات ومنها مسرحية للبروفيسور محجوب الحارث وقد استمر عرضها لأكثر من ساعتين, وكنّا نستعين بالفنانين التشكيليين من المساجين وقد ساعدونا في عرضها وفي تصميم الملابس وديكور المسرح من الفحم والطين ودعونا لها كل المساجين. كما لا أنسى أنني كتبت أغنية أحمد الجابري الصغيرة, فيما كتب محجوب شريف الكثير من أغانيه هناك.
🔶كما كان هناك دروس في اللغة العربية للمبتدئين والمتقدمين وكذلك الحال في اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وغيرها من اللغات حيث كان الفحم هو طباشير الكتابة والجدران والحوائط هي السبورة. وفعلا كان السجن عبارة عن حاو كبير حيث يقوم كل واحد بتقديم ما يجيده حسب مجاله وتخصصه, ولا ننسى أننا أسسنا أندية رياضية وكانت كل مجموعة تمثل ناديا في صنوف الرياضة بما في ذلك كرة القدم والطائرة والسلة وألعاب القوى وكان هناك دوري يقام وله مشجعون كثر.
♦️ هل قيامكم بمثل هذا النشاط الكبير داخل سجن كوبر كان نتيجة لحسّكم الوطني أم مجرد تسلية لإطفاء نار الاعتقال والكبت؟
🔶كان لابد من القيام بذلك لكسر حدة السجن وحاجز الخوف والرهبة من المجهول, ولكن بكل صدق كان السجن مع مرارته إلاّ انه فرصة حقيقية لممارسة شئ من الحرية التي كنا نفتقدها في الخارج فكنا نعبر عن أفكارنا وآرائنا بلا تحفظ حتى ضد السلطة وبشكل لو عبرنا به بالخارج لكان مصيرنا السجن أيضا بدون خطوط حمراء ولذلك تمتعنا بحرية كاملة داخل السجن رغم قسوة السجن وظروفه السيئة حيث كنا نفترش الأرض والكثير من المساجين أصيبوا بأمراض كثيرة, ومع كل ذلك كان فرصة حقيقية للإلتقاء مع صفوة من صفوة الناس ومنهم السياسيين والمفكرين والأدباء والمثقفين والعلماء والأطباء والمحامين والشعراء والفنانين ومن الأسماء اللامعة في المجتمع السوداني.
♦️ ما هي أكثر المواقف التي مرت بك وما زالت عالقة بذهنك؟
🔶كثيرة هي المواقف التي مررت بها وبعضها طريف وبعضها محرج, ولكن أكثرها لصوقا بالذاكرة, هي تلك الزيارة التي قمت بها إلى عطبرة ومنها إلى الدامر في معية زميلي علم الدين حامد وذلك لإجراء حوار مع حاكم الولاية الشمالية وأعضاء حكومته في الثمانينيات من القرن الماضي في عهد الرئيس جعفر نميري, حيث كانت الدنيا صيف والجو حار (سمومه يلفح). وكنا قد نزلنا في عطبرة والحكومة كانت في الدامر حيث تحركنا إليها ووجدنا الحاكم وأعضاء حكومته في انتظارنا وبالطبع عندما دخلنا مبنى الحكومة كان الجوّ مختلفا تماما إذ كان باردا ورطبا واتفقنا وزميلي علم الدين على أن أجري انا حوارا مع الحاكم بينما هو يجري حوارا مع وزراء حكومته, فأخذ ركنا قصيا وأخذت آخرا, ولما كان المكتب فسيح جدا وهواء المكيف باردا ورطبا دغدغ النعاس عيني حتى فقدت السيطرة عليه تماما, فبمجرد توجيهي السؤال الأول للحاكم وهو سؤال طويل ومركب وبالطبع إجابته تستغرق زمنا فإذا بي أغط في سبات عميق في الحال في الوقت الذي كان الحاكم يجاوب على السؤال ولم يكن منتبها لي بسبب انشغاله وتفتيشه المستمر في كم كبير من الأوراق التي كانت أمامه, ولحسن الحظ بمجرد إنتهاء إجابته كان علم الدين قد لاحظ أنني نمت فإذا به ينتهز فرصة تسجيل إجابات أحد الوزراء ويأتي إلى بسرعة (ويلكزني) فأصحو فأوجه السؤال الثاني للحاكم ومع أن ابتدأ الحاكم في الإجابة فإذا بي أنوم ثانية وبنفس الكيفية الأولي يأتي إلى علم الدين( ويلكزني) فأصحو وأجد أن الحاكم قد انتهى من إجابة السؤال الثاني, فأوجه له السؤال الثالث وأنوم فوجدت نفسي أحوار الحاكم وأنا نائما تماما ولم ينتبه الحاكم ولا الوزراء لذلك فكانت حكاية بيني وبين أخي وزميلي علم الدين نتحاكى بها إلى يومنا هذا.
♦️ بعد ظهور الانترنت وانتشار الفضائيات .. تحدث الناس عن انحسار الصحافة والإذاعة .. كيف ترى مستقبلهما وحاضرهما في خضم الخيارات المتعددة والمتطورة من الوسائط الاعلامية؟
🔶أعتقد بل أجزم بأن الصحافة والإذاعة لن تموتا ابدا, فكلاهما يستفيد من كل هذه الوسائط الجديدة بغرض التطوير حيث, استفادت الإذاعة من خدمات الكمبيوتر والقمر الصناعي ولولا هذه التقانة العالية في هذه الوسائط لما تمكن أحد من مشاهدة العالم الآخر من خلال القنوات الفضائية والإطلاع على كل كبيرة وصغيرة تحدث في الحال, وبالكيفية نفسها تستطيع أن تسمع الإذاعة السودانية وغيرها من الإذاعات على مستوى العالم وبشكل أفضل مما كانت عليه في السابق وبالتالي فكل هذه الوسائط الحديثة في عالم تكنولوجيا الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية تضيف إلى الإذاعة والصحافة ولا تأخذ منها بل تجدد وتحدث وتطور أداءهما.
♦️ هناك اتهام بأن الإعلامي السوداني مقصر في حق بلاده مما أدى إلى عزل ابعاد المشهد السوداني من حيث العادات والتقاليد والتراث والفن والثقافة والأدب والفكر عن محيطه العربي والاسلامي والأفريقي فضلا عن العالم الغربي والشرقي .. ما تعليقكم على ذلك؟
🔶لا أعتقد أن الإعلامي السوداني مقصرا في نقل ثقافة وأدب وتراث السودان إلى الشعوب الأخرى ولكن الوسيلة هي السبب الرئيسي, فالإذاعة قديما كان بثها محدودا وبالتالي من الصعوبة بمكان توصيل رسالتنا كإعلامين إلى الخارج على أطراف الدنيا الواسعة غير أن الإعلامي السوداني سجل حضورا لافتا ومتميزا في كافة المحافل وفي كثير من دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومنذ زمن بعيد, حيث شارك بشكل فعال في صناعة إعلام تلك البلاد التي عمل بها واثبت كفاءة منقطعة النظير تسنده في ذلك ثقافته الواسعة وقدراته المتميزة المتنوعة على كافة الصعد بجانب اجادته لأكثر من لغة, ويمكنك لمس ذلك إذا نظرت إلى كبريات الإذاعات العالمية والفضائيات الكبرى والشئ نفسه في صحافة العالم الخارجي, ولا اقول فقط البي بي سي ومونتي كارلو وصوت امريكا وقناة الجزيرة وغيرها من الاذاعات والفضائيات بل لو ذهبت إلى أقاصي الدنيا ستجد اعلاميا سودانيا يشار إليه بالبنان, ولذا أعود فاقول إن الوسيلة السودانية هي سبب التقصير الأساسي في نقل ثقافة وتراث السودان للعالم الخارجي ولذلك الفضائية والاذاعة السودانية الآن وليس قبل الآن يقع عليها عبء نقل هذه الرسالة التي تحدثنا عنها خاصة وقد ادخلت التقنية الحديثة في هذين الجهازين والتي تنتفي معها أسباب التقصير الاعلامي في نقل الرسالة السودانية وهويتنا لعالم.
♦️ لو دخلنا في رحاب إعلامنا الداخلي في ظل هذه المرحلة المفصلية التي يمر بها السودان .. ما الدور المنوط به لمواكبة هذه الأحداث والدفع بها نحو جمع الصف والوفاق السياسي لخلق سودان واحد موحد آمن سالم مما يحاك ضده من مخاطر؟
🔶بحكم مهنتي كإعلامي متابع أعتقد أن الإعلام السوداني يتمتع بهامش حرية نادرا ما يتوفر في أنحاء كثيرة من العالم النامي وحتى بعض المتحضر, وبالتالي يمكننا طرح قضايانا بكل مسؤولية وحرية وووضوح وانتقاد ما يستحق النقد بما في ذلك ما يتصل بالسلطة الحاكمة, وهذا مدعاة لأن يستفيد الاعلامي السوداني من هذا الهامش من الحرية بشكل مسؤول يراعي مصالح البلد العليا والتجنب الانسياق نحو تسويق قضايا للخارج الذي يستغلها ليطعن في مقدراتنا ويبرر بها الدخول في شؤوننا الداخلية ومن ثم الوصول إلى مرامه وأغراضه الخاصة وخدمة أجندة أخرى عميلة كما على الإعلامي السوداني أن يتبع أسلوبا ولغة ومفردات تخدم القضية السودانية من حيث ترسيخ العدل والحرية والديمقراطية وقبل ذلك الأمن والسلام والوفاق.
♦️ لم يستطع الإعلامي السوداني الذي يعمل كمراسل لكثير من القنوات الفضائية أن يعكس الوجه المشرق الحقيقي للسودان حيث لا يتطرق إلى نقل عادات وثقافات وحضارات راسخة في السودان وإنما يميل كالعادة إلى نقل حالات العوز والفقر والمرض والكوارث بعيدا عن نيل الحياة العذب وأبنوس الجنوب الذي يحيّي نخيل الشمال وبينهما حضارات أقيمت شامخة وما زالت حاضرة .. هل هذا نتاج فقر في الثقافة أم ضعف المهنية أم السعي لكسب الشهرة أم عدم إدراك لأهمية رسالة الإعلام في خدمة السودان؟
🔶السودان مفتوح ويستقبل العالم بقلب مفتوح أيضا وليس هناك ما يحظر عكسه ف السودان بل العكس. أما الصور الباهتة التي تعكسها بعض الفضائيات ووسائط الاعلام الغربية تحديدا إنما تنمّ عن جهل تلك الجهات بالحقيقة الجميلة عن السودان أو لأنها تسعى لغرض مقصود. وإذا تجولنا بأبصارنا في أي مدينة في العالم ستجد أشياءا غير جميلة وربما مسيئة ولكن غالبا لا يعرضها إعلاميوها بل يركزون على مواطن الجمال فيها من سياحة وعادات وتراث وغيرها ولذلك يجب علي أي إعلامي سوداني أن يستصحب وطنيته وهو ينقل مشهدا عن السودان للفضائيات الغربية أو الأجنبية بشكل عام كما يفترض أن تتم مراقبة أي مؤسسة إعلامية تريد نقل شيئا عن السودان وذلك ليس لحجر عملها ولكن لتنقل الحقيقة بصدق إذا لم يكن لديها رغبة في نقل مشاهد الجمال والتاريخ والحضارة والتراث السودانية وما أكثرها وما أعمقها وأجملها وأبلغها من حديث وتبقى الأمانة المهنية والإعلامية للشخص المنوط به هذه الخدمة من الأهمية بمكان وإلا ستكون خدمة لا تخلو من غرض شخصي أو لحساب جهة أخرى تعمل لتشويه البلد لعدائها له. ومع ذلك ولأن الحق أبلج فإن الشعوب بدأت تهتم بالسودان لما عرفت أنه بلد الجمال والتاريخ والحضارة والتراث بكل أبعادها وأعماقها وأخذت تتلقى جرعات لعلها تبحث عن الحقيقة باهتمام و تتعرف بنفسها على تلك المرتكزات الجمالية العريقة ولذلك شهد السودان في الآونة الأخيرة زيارات عديدة متكررة من مختلف شعوب العالم المهتم بالتراث والتاريخ والآثار والسياحة وحتى الاستثمار الآمن ليقينهم بأن مكنون الجمال وأسباب الحياة العذراء مدفون سرّها في السودان وعليهم اكتشافه بأنفسهم.
♦️ برائكم ما سمات الاعلامي الناجح؟
🔶أهم ما يميز الاعلامي الناجح أن يكون لصيقا بيئته وغائصا في أعماق وهموم الناس وأشواقهم وطموحاتهم وتطلعاتهم ليخدم شعبه ووطنه, فالاعلام عرق وتعب وطموح, فالذي لا يبذل كل ذلك لن يكون إعلاميا ناجحا.
♦️ ما هي مشكلات الإعلام السوداني تحديدا؟
🔶أعتقد أن مشكلات الإعلام السوداني تتلخص في ضعف الإمكانيات الفنية سواء كان ذلك في الإعلام المشاهد أو المسموع أو المقروء, إذ أن الإمكانيات الفنية الإعلامية هي أهم دعامات نجاح الإعلام بالإضافة إلى ضعف الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الإعلامي. وإذا تمت معالجة هذين العاملين سنخلق إعلاما متقدما ومتطورا وخلاّقا في ظل وجود كودار وخبرات إعلامية نعتز بها ويمكننا الاستفادة منها في تأهيل الجيل الصاعد من الإعلاميين.
♦️ بعد هذه الرحلة الطويلة من مشوارك الإذاعي الثرّ وإلقاء عصا رحلك مترجلا عن العمل بها .. ما هي مشاريعك التي تشغل بالك الآن؟
🔶الآن أتقلد منصب مدير إذاعة طبية خاصة تحت مسمى (الصحة والحياة) وهي تعمل في مجال التطبيب عن بعد, وتعتمد في تمويلها على الإعلانات والرعايات من قبل عدد من الشركات الخاصة على مدى ولاية الخرطوم وهو مدى البثّ مؤقتا لتضاف الى رصيد الاتجاه نحو تبني إذاعات خاصة جديدة (كإذاعة مانقو – الرابعة – الإذاعة الإقتصادية – الإذاعة الرياضية – الكوثر .. إلخ). وفكرة عملنا تقوم على مثلا لقاء عبر الهواء مباشر مع مريض ما في مكان ما ونترك لهس فرصة استعراض الأعراض المرضية التي يشكو منها وفي نفس الوقت يقوم الطبيب المختص بتشخيص المرض وإعطاءه الوصفة الطبية اللازمة للعلاج, وسيكون لنا لقاءات مماثلة خارج حدود الوطن سواء كان ذلك في المدينة المنورة أو الأردن وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق