________
من عمق الذاكرة الإعلامية السودانية
_________
{ الرشيد بدوي عبيد روائي بلا رواية}
قووونننن...
سماعك لهذا الكلمة الصغيرة كفيل بدفع كل مخزون الادرينالين إلى عروقك. ففي زمنٍ لم تصلنا فيه شاشات التلفاز الذكية ولم نُصب بعد بحمى الصراع على الريموتكونترول؛ كنّا نتحلّق حول الراديو الصغير ذو الجلد الرمادي السميك، ماركة بانسونيك؛ نُطارد صوت الرشيد بدوي عبيد، الذي يعلو وينخفض إستجابة لتيارات الهواء التي تراوغ الإرسال الإذاعي، فنميل محاولين الأستماع إليه؛ ظناً منا أن هذا الأمر قد يفيد.
يرسم ملعب كرة قدم كامل في أذهاننا. نحفظ أسماء الفريقين وحُكّام المبارة، ودكّة البدلاء، وضيوف الشّرف،ومراقب المبارة وطاقم الإرسال الاذاعي، وحتى عبدالرحمن عبدالرسول الذي سيحلل بين شوطي المبارة، وكذلك حالة الطقس والأزياء والجمهور وحتى الشركات الراعية للمباراة، هذا غير أنه سَيعرّج على نوع النجيل الذي يلعبون عليه ودرجة الاضاءة.
للرشيد بدوي عبيد
- وأنا معجب بأسمه الذي لا يُذكر إلا ثلاثياً- قدرة عظيمة على الوصف، وهو يلاحق الكرة في أرجاء الملعب، لدرجة تجعلك وكأنك جالساً في إحدى المدرجات. عباراته الوصفية الدقيقة مثل:
{كورة في الناحية الشمالية الشرقية من الملعب يستلمها هيثم مصطفى ويمررها إلى والي الدين}.
أو
[ تسديدة قوياااااا، مقصية في قلب المرمي، يسجل منها فيصل العجب الإصابة التانية].
أو
[امامية خطيرة لي مساعد الدفاع الأيمن بالرقم خمسة]
شخصياً أعتبر صوت الرشيد وطريقة وصفه للمباريات عبر الإذاعة القومية، من الأشياء التي قَدحتْ في ذهني محبة السرد والحكاية. فالمبارة التي يعلّق عليها تتحوّل من مبارة كرة قدم بين فريقين إلى حكاية طويلة مثيرة، أو رواية مليئة بالشخوص الخيالية. لها مفرداتها المختلفة وأحداثها المُتقلّبة.
إنما يقوم به الرشيد يشبه إلى حد كبير دور الروائي؛ بحيث يبني لك مسرح القصة ويُهيء لك الشخوص ويرسم لك الأحداث ويمدّك بين الحين والآخر بأحاسيس تجعلك أكثر إنتباهاً لما يحدث.
_________
منقول مع التحية والتقدير للجميع
_________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق