مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي
الراحلة المناضلة /زينب بدر الدين
♦️ لم يكن يقصد سواها حين أنشد الراحل الملتزم بقيم الحزب والسودانية محجوب شريف (الأستاذة ديك كتر خيرا يوم تلقانا نحنا بتوصلنا وبتحصلنا وبتفك الحيرة). مهندمة بناصع بياض مواقفها تغمض الست زينب إغماضتها الأخيرة تغادر الحياة بالموت لكنها تظل هنا بما قامت به. في مساء العشرين من أغسطس كان السودانيون على موعد مع حزن جديد وهم يجترون سيرة (شكر) من قضت ثلاثة وستين عاماً لأجل البلاد وناسها. رحلت زينب بدر الدين بعد أن كتبت اسمها بأحرف من نور على سبورة البلد، يومها أختلط دمع السودانيين والسودانيات بالحزن على امرأة كانت سيدة جيلها.
♦️ ولدت زينب بدر الدين محمد عبد الرحيم في الخامس من أبريل للعام 1957 بمدينة أم درمان كان والدها منشغلاً بالتعليم الذي صار مهنتها فيما بعد. مهنتها التي لم تمنعها من ممارستها الإحالة للصالح العام من قبل النظام الذي حملت لواء مقاومته لثلاثين عاماً فقد كانت أم محمد (المعلمة) التي كلما أصاب البعض وهن الأمل حقنته بأنسولين الاستمرارية وأخبرته بأن قدامنا الصباح ونحن سننتصر ونعبر ما في ذلك شك فلا شمولية أقوى من شعبها حتى وإن سجنت وعذبت وشردت في نهاية المطاف سينتصر الشارع لحلمه وسيمضي المجرمون الى حيث مزبلة التاريخ علينا فقط أن نستمسك بحقنا في المقاومة فهي الحياة وهي القائلة: ستينية انا ومصابة بالسكري والضغط والغدة الدرقية أكيد معرضة للخطر بالإصابة بكورونا.. خرجنا ونحن معرضون لخطر الإصابة بالرصاص وسنفعلها مرة أخري فحياتنا ليست أغلى من حياة الشهداء ممن استشهدوا في تروسهم لأجل انتصار الثورة وتحقيق أهدافها وغاياتها.
♦️ انتظمت زينب بدر الدين منذ وقت باكر في صفوف الحزب الشيوعي السوداني ونشطت كذلك في منظمات المجتمع المدني دافعة فاتورة العمل العام في الاتحاد النسائي ولجنة المعلمين وكونفدرالية المجتمع المدني وهي عضو مؤسس مع أخريات لمبادرة لا لقهر النساء. ظلت زينب خلال ثلاثين عاماً من عمر البلاد المغدورة، مُرابطة بإيمان عميق على باب المنافحة عن حقوق الفئات والناس أجمعين، مقدمة في ذلك عمراً عزيزاً وريعان شباب وقلباً متقدا بالرؤية والأمل الصداح.
♦️ يعرف وجهها كل من عرف وقفات الاحتجاج، والاعتصامات، والخروج المبكر على الحاكم الغاشم المسلح حتى أسنانه بالنار والحديد والمعتقلات والتعذيب والتجويع والموت الزؤام. يقول
🔶طلال عفيفي:
♦️ كانت زينب حاديةُ ركب، ونافخة روح في حنايا الصغار والكبار، تعزز من هِمة الناس، وتفتح للشمس أبوابا.. ويكمل: لم يكن ذاك الرصيد العجيب لزينب في كراسة النضال الوطني مستلفاً من منصات إعلامية أو خريراً لمياهٍ كاذبة.. بل كان رصيدها ابن الحياة: حياتها وما دفعته من ذاك العمر النضر الطيب، وحياة أسرتها (ولاء، محمد وبدر) التي عكفت على الذود عنها، ليس من ناحية الحماية إنما بالشحن المستفيض لقيم الحياة الإنسانية الباذخة وحثهم الحثيث لدفع فواتير النضال، فكان عيالها ما بين معتقل أو ملاحق أو معذب في أقبية البلاد التي لم تعرف الرحمة وهم زغب الحواصل وأرواحهم أرهف من وريد الطير.
♦️ لم تكتف الراحلة زينب بأن تهب الوطن نفسها وإنما أضافت لها ان أنجبت من يحملون لواء الدفاع عنها. كان منزلها ورفيق عمرها المناضل صلاح معروشاً بأسمنت المقاومة فقد حملت ولاء ابنتها الكبرى الراية باكراً وشغلت منصب رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم كأول فتاة تنال هذا الشرف بينما لم يكن محمد صلاح الذي رددت في حضرته الراحلة ألما ولدت محمد ما ولدت ليمشي في درب غير ذلك الذي يطابق فيهو خطوه صوت حوافر الرغبة الجماعية للسودانيين في وطن يليق بهم ودفع فاتورة ذلك حبس واعتقال دون أن يلين وهو ذات الطريق الذي سار فيه بدر الدين أحد اصغر الأبناء. وعاشت السيدة أصعب إحساس حين كان أبناؤها في غياهب الاعتقال دون أن تلين أو تلقي عن ظهرها عصا المقاومة بل خرجت في صمود أسطوري قائلة إنهم أبناء هذه الأرض وعليهم دفع فاتورة مواقفهم فهم ليسوا بافضل من إخوتهم الذين يواجهون ذات الظروف.
♦️ (أخذتِ من منبتك وفطرتك عجينة عبقرية: الشموخ الباسق، والإباء مجارياً يجري فيها كمجرى الدماء في العروق التواضع ومحبة المساكين والانشغال بهمهم، ثم نفخ الله فيك من روحه العدل وكره الظلم ومراغمة المستبدين. وأعطاك وأعطى محياك السكينة والسلام. (شهيدة النساء قال الإمام فخر الرازي في تفسيره إن الشهيد ليس هو المقتول في المعركة، بل هو الشهيد على قومه. أنتِ يا زينب كنت فينا الشهيدة. رمانة ميزان العدل والصدق والاستقامة. كنتِ من مؤسسي “مبادرة لا لقهر النساء”، ولجتِ لجنتها التنفيذية مرة واحدة، ولكنك حتى من خارج اللجنة كنتِ علماً لها مرفرفاً فوق قمم العطاء والبلاء والتضحيات والأفكار الرائدة. لقمة الجوعى، لافتات الرفض للطغيان، دفاتر التبرعات للمحتاج، مسيرات الاحتجاج، سجون الباغي، تلاحم النساء ومحبتهن، الكلمة الطيبة اللامة، كل هذا وغيره كان زينب. ) بهذه الكلمات نعت رباح الصادق المهدي الراحلة زينب بدر الدين.
♦️ غشي الموت زينب.. ذهب الجسد وبقيت جلائل الاعمال في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد ولم يتبق غير هذه الوصية: عقب الموت خذوا ثوب زينب برفق واصنعوا منه رايات انشروها في أرجاء الوطن ترفرف مضمخة بالنضال والعزة والكرامة. التقطوا بحرص الرمل من خطوات زينب وتراب قدميها وانثروها في كل ساحات الوطن مسيرة للحب والحق والخير والجمال والتضحيات الجسيمة. اطبعوا كف زينب علي سماء الوطن صفحة للنقاء وطهر الثورة ونزاهة المبدأ والرسالة. ازرعوا صوت زينب في كل قلب وبذرة في وطن وهبته صوتها وقلبها وعقلها وعمرها من أجل أن ترى انسانه حرا. اجمعوا حروف زينب واحرصوا على قراءتها كل صباح في آذان الأطفال حصنا من الانزلاق والسقوط. افسحوا لزينب المساءات في الأحاجي وأضيئوا قناديلها في قلب مآثر البطولة وروح الأساطير الحية، حدثوا عنها كيف تحدتهم بدمها المجرد وروحها وفلذات أكبادها وكيف أنها لوحدها كانت موكبا ومنصة وساحة اعتصام في وجه بطش سلطة القتلة الأوغاد… قولوا للقادمين إنها لم تمت فمن أنجب لايموت، وزينب أنجبت ثورات نحتتها على جدران الوطن وغرستها في الناس وبصمت بها على صفحات الوجود والتاريخ.
♦️ الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق