كان زمان
في اول عهدنا بالعمل في مكتب الزراعة بطوكر كان عمنا سالم محمد سعيد باشكاتب الأراضي عليه الرحمه بعد تقاعده بالمعاش يحدثنا عن العمل مع الإنجليز يقول كان مستر Porter باشمفتش الزراعة طوكر مزعجا وكان يقوم بكتابة الإعلانات للمزارعين باللغة الانجليزية ثم يطلب إلينا ترجمتها الى اللغة العربية ثم نعود لنقراها عليه بعد الترجمة ليؤكد عليها ثم نقوم بكتابتها من 70 نسخه بالقلم الكوبيا والكربون حيث لم تكن الات الطباعة العربي متوفرة وقتها .
يقول عليه الرحمه ان مستر Porter كتب إعلانا وقمت بترجمته وكتبت بعد الترجمة على صدر الاعلان إعلان إلى جميع مزارعي طوكر فقال لي اكتب (إعلان لعموم مزارعي دلتا طوكر) جاءت عباره أخرى ترجمتها على المزارعين الحضور للصرف بنفسهم فقال لي اريد ان تكتب الحضور بأنفسهم وليس (بنفسهم) لم ابه بما قال وقمت بكتابة ال 70 صورة حسب ترجمتي من غير تعديل واستغرق ذلك مني زمنا طويلا في المكتب ومن ثم مساءا في المنزل حيث كان الإعلان طويلا جئت الصباح بعد ان فرغت من الكتابة طلب مني قراءته وتأكد له اني لم اكتب كلمة عموم وكتبت بنفسهم وليس بانفسهم كما وجه فقلت له ياسيادة الباشمفتش هذا مفهوم للمزارعين وواضح والمعاني واحده فقال انا افهم ذلك ولكني أعتقد ان كلمة عموم أشمل من كلمة جميع وكلمة بانفسهم افضل من كلمة بنفسهم وماعليك الا ان تعيد كتابة الاعلان وتعدل الكلمتين وفق توجيهاتي وانا احب ان تنفذ تعليماتي بحذافيرها دون تغيير.
يقول كان الإنجليز دقيقين جدا وتعلمنا منهم الانضباط والدقة والاخلاص في العمل كما أنه لم يكن ليفوتهم شيء او ينطلي عليهم وكانوا يقرظوننا ويقدرون مانبذل من جهد كما ان اسس الترقي كانت واضحة ليس فيها اي استثناءات او مجاملات وكان الأداء المميز والانضباط هو المعيار كما انهم لم يكونوا يميزون موظفا على آخر وكانت المعاملة واحدة وبعدالة تامة .
ترك لنا الاستعمار خدمة مدنية محترمة لم نتمكن من الحفاظ عليها وللأسف هي الان في غرفة الإنعاش بعد ان كانت مضرب المثل وملء العين والبصر بسبب سياسات التمكين وعدم أعمال القوانين والفساد الذي استشرى بصورة ملفته وضعف القيادات الإدارية تتوافر الان معينات جيدة من حواسيب وبيئة عمل افضل ولم يستفاد منها في تطوير الخدمات من حيث السرعة والإتقان وهذا مؤسف جدا
الله المستعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق