الأحد، 5 فبراير 2017

كيفية الخروج من المأزق الاقتصادي الحالي

كيفية الخروج من المأزق الاقتصادي الحالي

الدكتور عادل عامر
إن الاقتصاد المصري واجه صعوبات خلال عام 2016 أدت إلى تراجع كل مؤشراته الرئيسة، وهو ما انعكس على أحوال المواطن المصري الذي بات أكثر فقرًا ومديونية، ومن ثم بعد انقضاء العام الحالي بكل أحداثه يتبادر السؤال حول التوقعات الاقتصادية في العام القادم 2017  والتي تأتي بعد تطبيق حزمة من الإجراءات الاقتصادية شديدة الوطأة على المواطن وزعمت الحكومة بأنها حزمة إصلاحية يجب تحمل آثارها المؤقتة والتي ستتحول إلى رخاء اقتصادي بمرور الوقت. أنه "في حالة نجاح الحكومة في حصر المجتمع المستحق للدعم النقدي المشروط، سينخفض إلى حد كبير هدر موارد الدولة المنهوبة حالياً في منظومة الدعم العيني،
وسيشعر الناس بلا شك بتحسن في قدرتهم إلى حد ما على مقاومة الغلاء الناتج عن تحرير سعر الصرف". يظل التحدي أمام الجهاز المصرفي المصري تجاه سياسة تخفيض سعر الجنيه بنحو 60%، أن يكون قادرا على الوفاء بالطلب على الدولار، وهو ما سيعجز عنه الجهاز المصرفي لارتفاع حجم الطلب بسبب سياسة الحد من الاستيراد التي اتبعتها حكومة مصر خلال الفترة الماضية، وهو ما أسفرت عنه الساعات الأولى لتعاملات الأفراد والشركات مع البنوك المصرية، حيث تقوم البنوك بالشراء وتمتنع عن البيع.    
عندما تقوم حكومة بلدٍ ما بـ"تعويم" عملتها المحلية، فإن هذا يعني خفض قيمتها أمام عملة عالمية كالدولار الأميركي. وتقدم بعض البلدان التي تتحكم في سعر صرف عملتها المحلية أمام العملات العالمية مثل مصر، باتخاذ هذه الخطوة لتحرير سعر الصرف وجعل السوق الشرائية تتحكم في قيمة العملة المحلية. ويترتب على التعويم، عندما يُخطط له بصورة صحيحة، خفض أسعار المنتجات المحلية التي تصدرها الدولة للخارج، وصعوبة الاستيراد لارتفاع قيمة العملة العالمية (الدولار)، وهو ما يجعل الإنتاج المحلي أكثر قوة ونشاطا في الأسواق الداخلية، إذ يميل المواطنون لشراء المنتجات المحلية لانخفاض سعرها ووفرتها عن بديلاتها المستوردة. وقد يقود التعويم أيضا إلى ارتفاع الطلب على السلع المنتجة محليا في الأسواق العالمية لانخفاض سعرها، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الصادرات وتدفق الدولار على البلاد.
ارتفاع أسعار الواردات سيكون إحدى النتائج المباشرة لتعويم الجنيه، وهو ما يعني أن تأثيرها سيكون ملموسا على جيب المواطن المصري، لاستيراد مصر أكثر من نصف احتياجاتها الغذائية،
إلا أن تعويم الجنيه قد يؤدي إلى ارتفاع التنافسية بين شركات الإنتاج المصرية لاعتماد السوق الاستهلاكية على السلع المحلية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية،
كما أن غلق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء قد يشجع المستثمرين والشركات الخارجية على الإنفاق في مصر، وهو ما قد يزيد من فرص العمل المتوافرة.
ويراهن المركزي المصري على ما لدى الأفراد من عملات أجنبية وبخاصة الدولار، وكذلك يسعى لإنهاء نشاط السوق الموازية، ولكن يقف في وجهه لتحقيق هذين الهدفين حالة الترقب التي سيعيشها الأفراد في الأجل القصير لطبيعة مرونة الجهاز المصرفي للوفاء بالطلب على الدولار من قبل المستثمرين والمستوردين. فإن كانت النتيجة إيجابية، ففي الأجل المتوسط سيتخلص الأفراد مما لديهم من الدولار عند الأسعار التي سيفرضها الجهاز المصرفي،
دور الدولة في حل الأزمة الاقتصادية
1-         تدخل الدولة في ميدان إمداد السلع في الأسواق المختلفة، وموازنة العرض والطلب، وفرض رقابة صارمة على الأسواق خصوصا في قطاع السلع الغذائية، لضمان استقرار الأسعار. وهنا لا يفيد القول بأن الدولة لن تتدخل، لأن مثل هذا القول يكرس فلسفة عقيمة لا توجد إلا في بطون الكتب. فكيف إذن نستكثر على الفقراء والمحرومين أن تتدخل الدولة لمصلحتهم، وأن تستخدم جزءا من حصيلة الضرائب العامة لرفع المعاناة عن الناس؟
الجانب التشريعي في هذا السياق يتمثل في ضرورة إلى إصدار تعديلات لقوانين المنافسة ومنع الاحتكار، وحماية المستهلك، والمواصفات الصناعية، والغش التجاري وغيرها.
2-  يجب أن يقوم المجلس النيابي بالرقابة على السلطة التنفيذية وحتى تتمكن السلطات المنتخبة من أداء دورها الرقابي، يجب إعداد وإصدار قانون لمحاسبة الوزراء ومن في حكمهم.
3-  البطالة هي إحدى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة في مصر، التي ارتبطت ببيع المصانع من خلال قوانين الخصخصة، ويزيد من حدتها إنها تتركز بين أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة، حتى وصلت معدلاتها الرسمية إلى أكثر من 13% حسب الأرقام الرسمية.
ويحتاج القضاء على البطالة إلى تدخل الدولة مرة أخرى في الاقتصاد، من خلال عمليات تنموية وليس لمجرد إقامة مشروعات، بما في ذلك أولوية تشغيل المصانع العاطلة أو المتعثرة. إن خرافة ما يسمى "المستثمر الإستراتيجي" التي بشرنا بها نظام مبارك "أثبتت إنها كانت مجرد وسيلة للضحك على الناس، ولتخريب كل ما بناه المصريون من صرح صناعي منذ محمد علي وطلعت حرب وجمال عبد الناصر. وأقول بملء الفم: إن معدل البطالة لن ينخفض في مصر بصورة ملموسة إلا بتدخل الدولة في الاقتصاد مرة أخري، بطريقة تنموية حكيمة، بعيدا عن التسلط الإداري والفساد المؤسسي. وأقول هنا إن مجلس النواب الجديد يجب أن يصدر قانونا للتشغيل وتوفير فرص العمل يحشد ويعبئ موارد المصريين من أرض ومياه وأموال وخبرات تكنولوجية من أجل تقليل معدل البطالة إلى 5% على الأقل بنهاية فترته. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أهمية تشغيل المصانع العاطلة وحسن توزيع أراضي الدولة على الخريجين.
4-  تعاني مصر من تلوث المياه والهواء والتربة الزراعية بمعدلات مفزعة. وأتعجب من أن وزارة البيئة لا تزال تصر على أن معدلات تلوث البيئة في مصر هي معدلات جيدة وأفضل بكثير من المتوسط العالمي. لقد بلغ تلوث مياه الشرب والري حدا خطيرا يهدد حياة المصريين بالفعل الذين تفشت بينهم أمراض الالتهاب الكبدي الفيروسي والفشل الكلوي والأورام الخبيثة. إن هذه الأمراض تتسبب في خسارة وطنية فادحة،
لأن صحة الإنسان هي أغلى ما يملك، ولأن الإنسان المريض لن يكون أبدا قادرا على الإنتاج بالمعدلات العادية. إن حماية نهر النيل والبحيرات من التلوث وحماية الهواء والتربة الزراعية بما يكفل توفير بيئة صحية غذائية وتنفسية يمثل مهمة عاجلة أمام مجلس النواب المقبل. وسوف يتعين على المجلس أن يعد ويصدر التشريعات والقوانين الضرورية لضمان نظافة مياه الشرب والتربة الزراعية والهواء من التلوث. وعلى الرغم من أن العقوبات وفرض الغرامات على المخالفين تمثل وسيلة من وسائل الردع والعلاج، فإن إهمال الدولة لتوفير متطلبات حماية البيئة يمثل خطرا مؤسسيا خطيرا يهدد سلامة البيئة في مصر قبل أن نلجأ إلى تشديد العقوبات على إلقاء القاذورات في النيل أو حرق قش الأرز. وفي هذا السياق فإنني أشدد على ضرورة إصدار قانون بإنشاء وزارة لشؤون مياه النيل والبحيرات تكون مسئولة على تحقيق مستويات عالية من الحماية للبيئة المائية. كما تحتاج مصر إلى منظومة وطنية متكاملة لتدوير القمامة والمخلفات المنزلية والزراعية والصناعية والطبية، بما يقضي على احد أسباب انتشار الأمراض والأوبئة بين المصريين.
هذه باختصار هي المشكلات العاجلة الأربع التي سيتعين على مجلس النواب مواجهتها. وأعتقد أن ما غيرها يقع دونها في الأولوية مع أنه قد يزيد عنها أهمية من حيث النظرة الإستراتيجية.
ومن أجل تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة فإن العلاقة بين مجلس النواب وبين غيره من مؤسسات الدولة يجب أن تقوم على أسس التعاون وبناء الثقة بين السلطة التشريعية المنتخبة وبين السلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة. إن ما تحتاجه مصر في المرحلة الحالية هو تجنب الصدام السياسي بغرض تحقيق الدرجة الكافية من الاستقرار المطلوبة للتنمية ومواجهة التهديدات والأخطار الخارجية. إن هذا الحرص على التعاون وبناء الثقة يجب أن يكون متبادلا ويجب ألا يأتي على حساب مصالح الشعب، مصدر وأساس السيادة الوطنية.
وفي هذا السياق فإن مجلس  نواب الشعب يجب أن يعمل على صياغة وإصدار عدد من القوانين التي تسهم في مكافحة الغلاء والفساد وتوفير فرص العمل وحماية البيئة. لكن احتياجات مصر في الأجلين المتوسط والطويل تتجاوز ذلك بكثير بما يساعد هذا البلد على النجاح في عدة اختبارات إستراتيجية واقتصادية وثقافية. ومن الاختبارات الاقتصادية المهمة التي يجب أن تتعاون زل سلطات الدولة على النجاح فيها اختبار "تحقيق الأمان الاجتماعي" واختبار "توفير السيولة المالية" واختبار "تقليص العجز التجاري" واختبار "القدرة التنافسية" واختبار "نظافة البيئة" واختبار "القضاء على الفقر" واختبار "إزالة العشوائيات"وغيرها.  وفي هذا السياق فإنني أعتقد أن أولويات الأجندة التشريعية الاقتصادية يجب أن تتضمن ما يلي:
أولا: إصدار قانون عاجل ينص على إعفاء كل أنشطة الاستثمار في قطاعات الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر من الضرائب والرسوم الإدارية لمدة 5 سنوات من تاريخ بدء النشاط تحقيقا للعدالة وإسهاما في زيادة فرص العمل. وسوف ينص مشروع القانون أيضا على تبسيط إجراءات التسجيل الصناعي والتجاري وغيرها، بحيث لا تستغرق الإجراءات الإدارية والفنية اللازمة للتسجيل أكثر من 4 أسابيع كحد أقصى وإلغاء كل ما يخالف ذلك في القوانين المعمول بها حاليا. ثانيا: تعديل قانون الضرائب برفع حد الإعفاء الضريبي للأشخاص إلى 24 ألف جنيه سنويا، وتعديل أسعار الضريبة بحيث يتم رفع الحد الأقصى على الضريبة من نسبته الحالية التي تبلغ 22.5% وذلك لأغراض توفير التمويل الكافي لتشغيل المصانع المتعثرة، وتطوير نظام التأمينات الاجتماعية. مع تطبيق نظام الضريبة التصاعدية داخل هذه الحدود. لقد انتهت عالميا أسطورة أن الضرائب المنخفضة تساعد على زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وحلت محلها نظرية تطهير أجهزة الدولة من الفساد وتوفير معايير الشفافية للأسواق.
ثالثا: العمل على إعداد وإصدار قانون بفرض ضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة تتراوح بين 2% إلى 5% على من تزيد ثروتهم المنتجة للدخل على 10 ملايين جنيه سنويا. على أن تستخدم حصيلة هذه الضريبة في إنشاء صندوق وطني لتشغيل المصانع العاطلة وإقامة استثمارات جديدة. رابعا: إصدار قانون موحد للمعاشات والتأمينات الاجتماعية بما يضمن تجريم السطو على موارد المعاشات والتأمينات من جانب الدولة، ورفع الحد الأدنى للمعاشات إلى ما يعادل الحد الأدنى للدخل لكل المصريين الذين بلغوا سن التقاعد، أو غير القادرين على العمل بصرف النظر عن الجهة التي كانوا يعملون لديها أو النظام التأميني المسجلين لديه. إن من حق كل مصري في نهاية مدة خدمته لوطنه أن يحصل على معاش عادل، يصون كرامته ويكفي لتغطية احتياجاته.
خامسا: إلزام الدولة بالمشاركة في إنشاء مشروعات التنمية العامة وإقامة الاستثمارات وعدم التوقف عند شعارات بالية عفا عليها الزمن بأن تخرج الدولة من ميادين الاستثمار والإنتاج، وتعديل كافة التشريعات التي تحول دون مشاركة الدولة في الإنتاج والتنمية.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

في قعر ركوبة ست الشاي

 في قعر راكوبة ست الشاي جمبت ستنا                             مآآآآآآآ حارتنا  و بِنريدآآآآآآآ    !!!!!!! لبعض الأوباش في حارتنا وحدتنا الذي...

Post