فيما يلي تعليق افتتاحى علي مشروع قانون الكونقرس الأمريكي لدعم التحول الديمقراطي في السودان
......................................
ظلت قناعتي دوما ان الولايات المتحدة لن تفرط في قاعدة النفوذ والتأثير التي كسبتها و بنتها بالتراكم علي التطور السياسي في السودان من خلال منظومة العقوبات والقوانين المتعددة علي السودان وعلي رأسها وجود اسم السودان في القائمة وتطبيع علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية وإعادة ادماجه في الاقتصاد العالمي..
ولمزيد من تقوية وتعميق هذا النفوذ بوسائل اخري تم تقديم مشروع القانون إذ أن اقل ما يوصف به أنه
Maintaining more strong leverage
ليس فقط علي متخذ القرار، بل بالتحكم في مجمل العملية السياسية ومخرجات الفترة الانتقالية.
يبدو جليا أن القانون يريد تحويل السودان إلي بيدق في رقعة شطرنج مصالحها الإقليمية و التحكم في المسار السياسي تحت شعارات التحول الديمقراطي.
تفكيك مؤسسة الجيش وإعادة هيكلته والسيطرة علي موارده ومراجعة سجلاته المالية و تسليمها للمراقبة المدنية ومعاقبة قيادته وافراده علي الجرائم منذ ٨٩ تعتبر هدفا أساسيا.
هذا يعنى عمليا ليس مجرد إقصاء الجيش من المشاركة والفعل السياسي كشريك في الحكم خلال الفترة الانتقالية بل احالته مبكرا إلي المتحف والاستيداع السياسى.
ويبدو جليا تناقض القانون في تمسكه بانفاذ الوثيقة من جانب وإقصاء الجيش من المشاركة في بقية الفترة الانتقالية حسب التدابير الواردة في القانون. وهو ما يناقض الوثيقة التي تجعله شريكا أساسيا في الحكم.
الأخطر في تقديري إضافة للتحكم في مسار العملية السياسية هي إعطاء حرية أكبر لمناطق النزعات لتقرير مصيرها مثل
أ. الاستفتاء علي أبيي
ب. المشورة الشعبية في المنطقتين لتحديد مستقبلهم
وهي ذات الخدعة التى طبقت في نيفاشا لأنه ليس هناك تعريفا دقيقا جامعا مانعا علي معني المشورة الشعبية. وهو ما ادي لخلافات عميقة أثناء تطبيق اتفاقية السلام الشامل
ج. توسيع نطاق تعريف مناطق النزعات لتشمل إضافة لدارفور والمنطقتين لأول مرة ( كسلا والبحر الاحمر) وهي إضافة ذات مغزي. أي إدخال الشرق كله في حزام التوتر والنزاعات. وهذا يعني تفكيك سلطة المركز لصالح اجراءات استثنائية وتقوية المراكز الصغري والناهضة في الهامش علي حساب تماسك السلطة المركزية تحت مظلة معالجة النزعات.
د. التركيز في إنفاذ الوثيقة الدستورية علي تسليم رئاسة المجلس السيادي لشخصية مدنية مع تجاهل بقية المواقيت الاخري الواردة في الوثيقة الدستورية.
و. عدم التركيز علي السلام ، واغفال الترتيبات والشروط اللازمة لتحول الحركات من الكفاح المسلح للمشاركة السياسية المدنية وما يتطلبه ذلك من ترتيبات أمنية تجرد الحركات من قوتها العسكرية مقابل المشاركة السياسية في الحكم والسلطة.
قانون الكونقرس سيحدث التحول الاستراتيجي من civil led goverment
إلي
Civil supervision and full control on military affairs
ان اضعاف مشاركة الجيش في العملية السياسية يجب ان يرتبط بانفاذ التحول الديمقراطي. اي تسليم السلطة لمؤسسات منتخبة.
الملاحظات من ناحية إجرائية شكلية.
أ. رغم أن مشروع القانون عدل قانون سلام و محاسبة دارفور الا انه ابقي علي جوهره الذي يجعل الإقليم تحت نظر و متابعة الكونقرس.
ب. ابقي علي قانون سلام السودان مع حذف الإشارة إلي جنوب السودان الواردة في القانون
هذا يعني أن حزمة القوانين السابقة التي أصدرها الكونقرس من قبل ستظل نافذة وان القانون الجديد جاء ليكمل الثغرات ويرافق التطورات بإجراءات اقوي وأكثر تفصيلا.
لعل النقطة الايجابية الوحيدة من ناحية شكلية هي صدور القانون تحت عبارة sense of the congress
وهي تعني قرارات غير ملزمة none binding resolution
وهذا يعني في السياق العملي انها تمثل موجهات وشروطا عامة تعكس رأي الكونقرس وليست قرارا ملزما تنفذه الادارة بحرفيته.
القانون من ناحية عامة قنن خطة وشروط الإدارة لتطبيع العلاقات مع السودان وربط خطوات التطبيع بموافقة الكونقرس عبر لجانه المختصة. وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع لوحدها اتخاذ أي قرار تجاه السودان الا بموافقة الكونقرس مما يعقد عملية اتخاذ القرار.
زبدة القول أن التحول الديمقراطي المنشود لن يستند علي مجرد التفاعلات السياسية و توازنات القوة الداخلية، بل سيكون متحكما فيه عبر المشروطيات الخارجية التي حدد قانون الكونقرس مطلوباتها.
يضاف إلي الثقل الخارجي لمحاولة التحكم في مسار التحول الديمقراطي هو نشر البعثة السياسية الأممية.
وهذا ما نبهنا له من قبل في مقالنا السابق عن ( التقاطعات الكبري بين البعثة السياسية وقانون الكونقرس) أن البعثة السياسية الأممية ومشروع قانون الكونقرس سيرسيان قواعد العملية السياسية والتحول الديمقراطي وفق المشروطيات الخارجية أكثر من ديناميكيات التطورات السياسية الداخلية.
اعتقد ان كثرة القابلات لإنتاج تحول ديمقراطي بعد فترة حمل خارج الرحم بمشروطيات خارجية أكثر من الاستجابة للواقع الداخلي ربما تنتج طفلا خديجا. فلا هو بلغ النضج الديمقراطي ولا انزلق لحافة الفوضي. عليه ربما يستحيل أن تصدر له شهادة ميلاد تثبت بقاؤه علي قيد الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق