بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حكم الأخذ من الشعر والأظافر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ،وبعد:
الاصل في هذه المسألة ظاهر تعارض حديثين
الحديث الأول: حديث أم سلمة رضي الله عنها ونصه: أنّ النبي ﷺ قال : " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره "
وفي رواية عند مسلم : " إذا دخل العشر وَعنده أُضْحيـةٌ يرِيد أَنْ يُضَحِي فلا يَأْخذَن شَعْرا ولا يَقْلِمَنَّ ظُفرا
وفي رواية أخرى عند مسلم " إن كان له ذبحٌ يذبحه فإذا أهلّ هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي" .
وعنده «فلا يمس من شعره وبشره شيئا»، وبلفظ: «فلا يأخذن شعراً ولايقلمن ظفراً»، وبلفظ: «فليمسك عن شعره وأظفاره»،1. "إذا دخل العشر، فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يَمَسَّ من شعره ولا من بشره شيئًا".
2. "من كان يريد أن يذبح؛ فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يمسَّ من شعره ولا ظفره شيئًا حتى يضحي".
3. "من أهلَّ ذو الحجة وله ذِبْح يريد أن يذبحه؛ فليمسك عن شعره وأظفاره"
4. "إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسمَّاها؛ فلا يأخذ من شعره وأظفاره".
5. "من أراد الثَّج، فدخلت أيام العشر؛ فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره".
6. "إذا دخلت العشر؛ فلا تأخذ من شعرك ولا من أظفارك حتى تذبح أضحيتك".
7. "من كان يضحَّى عنه، فهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يأخذ من شعره شيئًا حتى يضحى". وأسانيد هذا الحديث إلى أم سلمة سبعة أسانيد،
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه ،والشافعي في المسند ، والحميدي في السنن ، والترمذي في السنن ، وأحمد في المسند ، والدارمي في سننه ، وأبوداود في السنن ، والنسائي في السنن الكبرى، والصغرى ، وابن ماجة في السنن ، والطحاوي ، وابن حبان في صحيحه ، والطبراني في الأوسط ، والدارقطني في السنن، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب، والبغوي في شرح السنة ، والمذي في تهذيب الكمال ، كلهم من طريق سعيد بن المسيّب .رحمهم الله تعالى جميعا
والحديث الثاني: حديث السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها في الصحيحين وقد ورد متواتراً كما قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى ورواية البخاري : ( "لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ﷺ بيدي فيبعث بها ألى الكعبة ويقيم فينا لا يترك شيئاً مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس " ) (متفق عليه) حديث عائشة رضي الله عنها, وقد ورد بروايات, وألفاظ متعددة, أسوقها فيما يلي:
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
1- فتَلْتُ قلائدَ بُدْن النبي صلى الله عليه وسلم بيديَّ, ثم قلَّدها, وأشعرها وأهداها, فما حَرُم عليه شيءٌ كان أُحِلَّ له.
2ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهدي من المدينة, فأفتل قلائدَ هديه, ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحْرِم.
3ـ فتلتُ قلائدَ هدي النبي صلى الله عليه وسلم , ثم أشعـرها, وقـلَّدهـا ـ أو قــلَّدتُها ـ, ثــم بَعَثَ بها إلى البيت, وأقام بالمدينة, فما حَرُم عليه شيءٌ كان له حِل.
4ـ أنا فتلتُ قلائدَ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ, ثم قلَّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه, ثم بَعَثَ بها مع أبي, فلم يَحْرُم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ أحلَّه الله له حتى نُحِرَ الهدي.
5ـ كنتُ أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم , فيقلِّد الغنم, ويقيم في أهله حلالاً .
6ـ وفي رواية:...فيبعث بها, ثم يمكث حلالاً.
رواه البخاري(1696 ), (1700),(1702 ), (5566 ), و مسلم (1321), و أبو داود (1758),و النسائي (2788)،و ابن ماجة (3095),و الترمذي (909), و أحمد (25565),
ولتعارض الحديثين وقع خلاف أهل العلم وبيان الأقوال في ذلك كالاتي :
1️⃣ *القول الأول* : *وجوب ترك الشعر والأظافر وتحريم أخذ شيء منها* وهذا مذهب الأمام أحمد بن حنبل وبه قال ربيعة الرأي وإسحاق بن راهويه وداؤود الظاهري وابن حزم الظاهري وأبو ثور والأوزاعي وسعيد بن المسيب رحمهم الله تعالى جميعاً (وعليه فتوى اللجنة الدائمة للافتاء بالسعودية )
2️⃣ *القول الثاني : *كراهة التنزيه وأن ترك ذلك محمول على الندب*_وإن كان بعض الباحثين يجعل هذا على قولين _
وهو مذهب الشافعي ورواية عند مالك وأحمد وبه قال الحسن البصري و عبدالله بن المبارك ورواية ثانية عن سعيد بن المسيب و بعض متأخري الحنفية رحمهم الله تعالى جميعا
. حاملين النهي في حديث أم سلمة على الكراهة جمعا بين الحديثين وقد نسب الإمام السيوطي رحمه الله هذا القول للجمهور (شرح سنن النسائي 7/212 )
3️⃣ *القول الثالث* : *الإباحه ولا يحرم أخذ شيء من ذلك*
وهو مذهب أبي حنيفة وروايه عند مالك قال ابن عبد البر ( وهو مذهبه- أي مذهب مالك ) وبه قال عطاء بن يسار، و عطاء بن أبي رباح، وقتادة، ومكحول وسعيد بن جبير، أبو بكر عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،و الليث بن سعد ورواية عن الشافعي و رواية عند الحنابلة، والرواية الثالثة لسعيد بن المسيب (راوي حديث أم سلمة )
قال ابن عبد البر رحمه الله: و عليه سائر فقهاء المدينة و الكوفة،
و قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:وهو قول كثير من الفقهاء. و معتمد أصحاب هذا القول
تغليب حديث عائشة رضي الله عنها على حديث أم سلمة رضي الله عنها و مما ذكروا من ذلك :
1/ أن عائشة رضي الله عنها أعلم الناس بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
2/ حديث عائشة رضي الله عنها عن آخر الأمرين و ما استقرت عليه الشريعة الإسلامية إذ كان ذلك في السنة التاسعة من الهجرة
3/ روي أن الإمام الليث بن سعد رحمه الله حين ذُكر له حديث أم سلمة قال: قد رُوي هذا, والناس على غيره.
4/ ورد في صحيح مسلم ، عن سعيد بن المسيب رحمه الله , أنه حين سأله سائل عن أخذ الشعر في عشر ذي الحجة, وذكر له حديث أم سلمة في النهي عن ذلك لمن أراد أن يضحي قال له: يا ابن أخي: هذا حديث قد نُسي وتُرك. اه, وكلام سعيد هذا وإن ذكره على وجه استنكار عدم الأخذ به, لكنه كلامٌ يرشح كثيراً بأنه حديثٌ قد نُسي وتُرك, كما قال الليث بن سعد رحمه الله . وتَرْك العمل بالخبر: يقدح في حُكْمه وإن صحَّ سنده, أو أنه غير ثابت, أو منسوخ.
5/ذكر الطحاوي رحمه الله من مرجِّحات العمل بحديث عائشة رضي الله عنها على حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن مجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسنُ من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنها, لأنه قد جاء متواتراً. وحديث أم سلمة رضي الله عنها فلم يجئ كذلك, بل قد طُعن في إسناده, فقيل: إنه موقوف على أم سلمة رضي الله عنها.
و ممن قال بوقفه الطحاوي في مشكل الآثار، والدارقطني في العلل ،و ابن عبد البر في التمهيد.
6/ مارواه الإمام مالك رحمه الله عن سعيد بن المسيَّب راوي حديث أم سلمة رضي الله عنها قال: لا بأس بالإطلاء بالنُّوْرة( مادة تستعمل لإزالة الشعر ) في عشر ذي الحجة. فتَرْك سعيدٍ لاستعمال هذا الحديث, وهو راويته: دليلٌ على أنه عنده غير ثابت, أو منسوخ.
7/ القياس ، فقالوا: إن مَن دخلت عليه أيام عشر ذي الحجة وهو يريد أن يضحي: لا يمنعه ذلك من الجماع, فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع, وهو أغلظ ما يَحرم بالإحرام: كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك, وهو أخذ الشعر والظفر
. وعبَّر عن هذا القياس الإمام ابن عبد البر رحمه الله بقوله: وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي, فما دونه أحرى أن يكون مباحا .
8/ روى الإمام النسائي في سننه أنه ذُكر للإمام التابعي عِكْرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما حديث أم سلمة رضي الله عنها في النهي عن أخذ الشعر والظفر فقال: ألا يعتزل النساء والطيب. اه يريد الاعتراض عليه وردَّه.
9/ قال الإمام الشافعي رحمه الله : البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، و قال الإمام الماوردي رحمه الله: لما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرم هديا و لم يحرم على نفسه شيئا كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم.
*وهذا مذهب أكثر أهل العلم فيما أعلم وهو الراجح عندي والله أعلم والمسألة فيها سعة والخلاف معتبر*
و لا شك أن لأصحاب القول الأول و الثاني أدلة وجيهة معتبرة قوية.
هذا و الله أعلم و صلى الله على سيدنا ونبينا محمد و آله وصحبه أجمعين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍️ د. محمد الأمين إسماعيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق