الخميس، 9 نوفمبر 2023

فيصل خليفة أمريكا

 #مآلات_لن_تخطئها_الحرب

الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم بعد قصف جوي خلال الإشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع (رويترز)

فيصل خليفة – أمريكا

وقائع الحرب وتطوراتها الميدانية وتداعياتها السياسية والإجتماعية خلال السبعة أشهر الماضية راكمت الكثير من الحقائق والخلاصات التى توفر مادة كافية للتنبؤ بمآلات مسار الحرب وخواتيمها المحتملة. أولا بات من نافلة القول أو فى حكم اليقين أن لا أحد من أطراف الحرب قادر على طرد غريمه خارج السودان أو أن يدفعه للإستسلام أو أن يقوم بإفنائه نهائيا ، هذا الأمر بات واضحا أنه لن يحدث إن كان على المدى القريب أو على المدى البعيد.

منذ بداية الحرب ادرك الجيش حجم القوى الضاربة للدعم السريع واختبر مقدرته على إعادة الحشد والتموين ومرونة التحرك والإنتشار وأنه لن يكون هدفا سهلا له لذلك تخندق الجيش فى مقراته واستخدم استراتيجية إنهاك واستنزاف الدعم السريع خاصة من خلال الغارات الجوية. وخطل هذه الإستراتيجية يكمن فى أنها لن تمكن الجيش من كسب أى أراضي أو التوسع خارج مقاره المحصنة وبالتالى لن يتمكن من حسم الحرب لصالحة او بصورة أكثر وضوحا ليس لدية القدرة الكافية لكسب الحرب الميدانية ، بمعنى سحق خصمة تماما والسيطرة على مقراته واعتقال قياداته وإعلان السيطرة الكاملة على الدولة.

بالنسبة للدعم السريع الذى تعود على الحرب الخاطفة والإنتصارات السهلة المعتمدة على المباغتة وجسارة مقاتليه الشبان والإعتماد على المشاة للسيطرة الميدانية، شكلت استراتيجية الجيش فى التمترس فى مقراته اختبار كبير لقدرته كمليشيا تمارس حرب العصابات ما دفعها لتبديل تكتيكاتها وأن تستخدم تكتيكات الجيش النظامى باعتماد إستراتيجية الإستهداف المدفعي (التدوين) على مقرات الجيش واستخدام بعض المدرعات التى غنمها من الجيش وبعض الطائرات المسيرة . لكن بسبب عدم مقدرته على اجتياح والسيطرة الكاملة على مقرات الجيش المحصنة واعتقال قياداته بعد محاولات متكررة فى القيادة العامة ووادى سيدنا وكررى والمهندسين ، فإنه لن يتمكن من حسم الحرب لصالحه أو لنكون أكثر دقة ليس لديه القدرة الكافية لكسب الحرب الميدانية بمعنى سحق خصمة تماما والسيطرة على مقرات الجيش واعتقال قياداته وإعلان السيطرة الكاملة على الدولة.

لماذا لم ولن يتمكن أحدهما من القضاء على الآخر؟ من الجلى أن كلا من الطرفين غير قادر على هزيمة الآخر وكلا منهم منى بخسائر كبيرة فى العتاد والأرواح وخسر مقدارا كبيرا من قوته وعتاده وهى خسائر استراتيجية لا يمكن تعويضها الآن أثناء الحرب ولا توجد اى إمكانية لبناء قدرات عسكرية من جانب اي من طرفي الحرب سواء فى ما يتعلق بالمعدات أو المقاتلين. هذا إضافة إلى العجز الوظيفي الذى يعاني منه الطرفين وهو أن الجيش ليس لديه مشاة والدعم السريع ليس لديه طيران ومدافع ثقيلة. إذ يبدو أن كل ما يحتاجة الجيش لحسم الحرب موجود لدي الدعم السريع وهم المشاة ، وكل ما يحتاجة الدعم لحسم المعركة هو الطيران وهو موجود لدي الجيش. ورغم ان الطرفين لم يصلوا بعد لمرحلة الإعياء الكامل لكن مؤشر بداية الإعياء أو تبدد أوهام الإنتصار العسكرى الحاسم يمكن ملاحظته فى تباعد آماد العمليات العسكرية مما يعنى أن الحرب ربما فى طريقها لتدخل طور الحرب المنسية مما يستتبع ذلك أن تخفت أخبارها رويدا رويدا وتقبع فى المرتبة الثالثة أو الرابعة فى ترتيب بورصة الأخبار وتتوقف عن إثارة شهية اجهزة الإعلام فى المنطقة والعالم. كذلك يمكن ملاحظة أن وطئة الحرب خفتت أيضاً فى الميديا (مواقع التواصل) وهى ساحة حرب وان كانت افتراضية إلا أنها لا تقل ضراوة عن الحرب الفعلية على الأرض . وتراجع زخم الحرب فى الميديا مؤشر على تراجع وقائع القتال على الأرض 

لم يتمكن الجيش طوال الحرب من استرداد المواقع التى سيطر عليها الدعم منذ بداية الحرب. كذلك لم يتمكن من كسب اي مواقع على الأرض أو يتمكن من طرد الدعم من منازل المواطنين رغم أن دعاية الحرب الأساسية للجيش ضد الدعم هى إتهامه منذ انطلاق شرارة الحرب الأولى بالإستيلاء على والإختباء فى منازل المواطنين وسرقة ممتلكاتهم. من جهة أخرى فشل الدعم فى السيطرة الكاملة على مواقع عسكرية رئيسية مثل القيادة العامة وقاعدة وادى سيدنا وكررى يمكن أن تصبح موشر لقياس عدم تمكنه فى المستقبل من اجتياح مراكز عسكرية إذا اضطرّ الجيش فى حالة دحرة فى الخرطوم للإنسحاب والتخندق فى احد المدن الأخرى مثل بورسودان أو عطبرة أو مروى. الجغرافية هنا سوف تكون لاعب رئيسي وسلبي مثلما كانت دائما عبر تاريخ السودان الحديث. المساحات المترامية للسودان بقدر ما انها نعمة ودليل على سعة وتنوع الرزق والثروات و من أسباب المنعة والقوة إذا استقرت البلاد ، لكنها ستكون نقمة فى حالات عدم الإستقرار بسبب قابليتها للإنعزال والتشظي فى ظل عدم وجود مركز قابض. والمركز القابض هنا لا يعنى السيطرة العسكرية بقدر ما يعنى قدرة المركز على بسط سيطرته وربط أطرافة من خلال التنمية المتوازنة والفرص المتكافئة فى كل المجالات السياسية منها والإجتماعية والإقتصادية الأمر الذى لم يحدث عبر تاريخ السودان منذ استقلال البلاد ونحن الآن نتجرع مرارة هذا التفريط.

لكن ماذا لو انقلبت هذه التوقعات وتمكن احد الأطراف من هزيمة الطرف الآخر او إجباره على التقهقر أو حتى الفرار. فى هذه الحالة وفى هذا البلد الواسع سيتقهقر المهزوم إلى مركز ثقله الاثنى والجهوى الحصين . إذا كان هذا المهزوم هو الدعم السريع سوف يتقهقر إلى اقاليم غرب السودان وإذا كان المتقهقر الجيش السوداني سينسحب إلى مروى أو عطبرة أو بورتسودان ولن تنتهى الحرب بل ستنتقل إلى منطقة جغرافية أخرى وسيكون مقدرا لها الإستمرار من جديد ولكن بوتائر مختلفة وجولات أخري منها المراوحة بين حالة الحرب واللا حرب أو حالة الكر والفر مما يدفع لتطاول امد الحرب. وتطاول امد الحرب سوف يفرز إقتصاد الحرب وثقافة الحرب وقيم الحرب وإذا كانت الحرب هى أم الشرور بل هى الشر المحض بعينة بإمكانك تصور كيف سيكون الوضع إذا كانت الحرب هى القاسم المشترك الرئيسي فى حياة الناس . وعندما يتعاظم الإعياء وتصبح الحرب مرض عضال وعبئ على الجميع حتى الخصوم المتقاتلين بعد أمد ليس بالقصير سوف تتعاظم كذلك فرص أن يستقل كل طرف بالمناطق التى يسيطر عليها لأنه فى ظل حالة الخوار وتوازن الضعف سيفقد الأمل فى الإستحواذ على مناطق الطرف الآخر وييأس من كسب الحرب بسبب عجزه عن تحقيق النصر الكامل ويرضي كل منهم بما اقتطع لنفسه من أقاليم. إذا وصلت الحرب إلى هذا المستوى سيكون قد فات الأوان حتى على عملية التفاوض من أن تحافظ على السودان كقطعة واحدة ، بالأحرى سيكون التفاوض على التقسيم هو الخيار الوحيد المتبقي على طاولة المفاوضات. عندما تصل الحال بنا إلى هذا الحد سيكون السودان قد انقسم نظريا إلى منطقتين سياسيتين وإداريتين وعسكريتين تدعيان الشرعية والسلطة والسيادة ولا يتبقي إلا التوقيع على التقسيم على الورق وترسيم الحدود. إذا الذهاب إلى التفاوض الأن وفورا قبل فوات الأوان هو العاصم الوحيد لوحدة وعدم تمزق السودان لأنه بات واضحا الأن أنه لا يحتاج الأمر لحرب أهلية شاملة لينقسم السودان بل أن جميع خيارات إستمرار الحرب حتى لو لم تتدخل أطراف عسكرية آخرى ستقود إلى تفتت البلاد بينما خيار التفاوض الآن يحمل فى طياته ليس فقط إنقاذ البلاد من خطر التفكك الشامل بل سوف يقود الى إبعاد طرفي الحرب من المعادلة السياسية ووضع البلاد مرة اخرى فى طريق التعافي والنهوض الحقيقي ..!!

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

في قعر ركوبة ست الشاي

 في قعر راكوبة ست الشاي جمبت ستنا                             مآآآآآآآ حارتنا  و بِنريدآآآآآآآ    !!!!!!! لبعض الأوباش في حارتنا وحدتنا الذي...

Post