الاثنين، 6 يونيو 2022

شخصيات سودانيه

 (عائلة كيشو) - 1

ولد محمد فريد راشد في مدينة أم درمان من أصول تركية . كان من الرعيل الأول لرجالات السلك الديبلوماسي بالحكومة البريطانية خلال فترة استعمارها للسودان . عمل بمناطق كثيرة وكان وطنياً منافحاً عن ضرورة استقلال بلاده من المستعمر البغيض . أبعدته الادارة الاستعمارية من جنوب البلاد إلى العاصمة الخرطوم وفيها تضايقت منه أيضاً فأبعدته منفياً إلى مدينة النهود بعد أن فصلته  تعسفياً عن العمل وحددت إقامته هناك . أنشأ بمدينة النهود مدرسة ابتدائية للبنات بعد أن استشعر ضرورة استنهاض همم المرأة السودانية وقتها وانتشالها من براثن الجهل والأمية التي أرادتها لها السلطات الاستعمارية فكانت تلك المدرسة فتحاً عظيماً لبنات المنطقة حيث كانت أولى تجارب تعليم البنات في منطقة غرب كردفان  .رغم محاولات الحد من نشاطه الوطني من قبل السلطات الاستعمارية لكنه ناضل وساهم في تأسيس فرع للجبهة المعادية للاستعمار في تلك البقاع عام 1954. أطلق محمد فريد راشد لحيته واقسم ألا يحلقها حتى جلاء آخر جندي بريطاني من السودان وفي أولى أيام إعلان استقلال البلاد عاد متشوقاً الى أم درمان   .عندما كان محمد فريد راشد في الجنوب تزوج من رحمة كيانقو ابنة سلطان  قبيلة الزاندي و أنجب منها ابنه الأول مصطفى كمال الذي سماه على مصطفى كمال أتاتورك قائد الحركة التركية الوطنية و مؤسس تركيا الحديثة وعندما عاد الى أم درمان تزوج من نفيسة بت القنجاوية بحي السيد المكي و أنجب منها أبناءه حسن و عصمت و فيصل و بناته فاطمة و أنيسة و زينب . تشربت أسرته أكسير الوطنية والمنافحة عن الوطن من مسيرة والدهم  . إبنه مصطفى كمال محمد فريد راشد اشتهر بلقب (كيشو) .  في ذلك الزمان كان مؤتمر الخريجين يتكفل بمصاريف  الدراسة والاعاشة داخل وخارج السودان للكثير من أبناء السودان وكان (كيشو) من الذين تكفل لهم المؤتمر بتلك المصاريف بكلية غردون التذكارية وبمعهد اللاسلكي بعد أن تخرج في كلية غردون . عاش (كيشو) حياة عبقرية حقق فيها ما حققه القليل من أبناء جيله وكان عصاميا لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب . مثل والده كان مناضلا سياسيا جلدا  فقد حارب الاستعمار ليلا بالكتابة على حوائط أم درمان وقاد المظاهرات نهارا وكان الإنجليز يحسبون له ألف حساب فصوته كان جهورا وبنيته قوية  . (كيشو) عّلم السودانيين أسرار الفندقه وأصولها . حول بداية سلسلة فنادقه وبعد أن تعرض للمعاكسة من الإستعمار بسبب مواقفه الثورية و ساءت أحواله المادية  ذكر محمود أبو العزائم في كتابه (كنت قريبا منهم) بأن كيشو ذات مرة قد تخفى في جنح الليل و ارتدى ثيابا مهلهلة و زار المحسن الإمام عبد الرحمن المهدي يشكو له سوء الحال فمنحه السيد عبدالرحمن مبلغا من المال اشترى به مجموعة من العناقريب والمراتب والأزيار وأسس أول فندق بسيط له في منزلهم بحي السيد المكي بأم درمان تحت مسمى لوكاندة الهلال وبعده أسس فندق الحرية الذي تحول الى الوطني في شارع الحرية وفندق دي باريس شرق محطة الغالي في امتداد شارع 15 جنوب غرب مقابر فاروق  ثم أنشأ فندق أمباسادور العريق وسط الخرطوم القديمة بشارع الحرية . فى منظر مألوف لا تخطئه العين كان فى أوآخر أيامه يجلس يوميا في الواجهة الامامية لذلك الفندق الذي لم يكتمل بناؤه حتي وفاته. إرتبط اسم  (كيشو) بالعصر الذهبي لكرة القدم في السودان فعلمّنا أن نعشق الرياضة وأحب الهلال وأهدانا جكسا وغيره من اللاعبين المخضرمين . كان (كيشو) وراء تسجيل اللاعب الأسطورة جكسا في فريق الهلال وكما قال الأستاذ عبد الله مسعود لو أنه لم يقم بأي عمل غير هذا في للهلال لكفاه  .. كان يوسف الفكي وعبدالرحمن عطرون والطيب عبدالله وحسن يحيى الكوارتي من ضمن الذين حضروا التسجيل الى جانب (كيشو).   حافز التسجيل كان عبارة عن أربعمائة جنيه دفعها كيشو استلم منها نادي الربيع 200 جنيه وجكسا 200 اشترى بها ملابسه الرياضية .عام 1966 اثناء وجود بعثة نادي الهلال ببريطانيا تلقى جكسا عرضا مغريا من فريق ارجنتيني لتسجيله كلاعب محترف . هناك قابلوا دكتور عبد الحليم محمد و(كيشو) وحسن عبد القادر سكرتير نادي الهلال فرفضوا العرض . وافقهم جكسا احتراما لهم فتبعته ملاحقات من النادي الارجنتيني بعد ذلك في الخرطوم .  في كل صباح من يوم الجمعة كان المريخاب والهلالاب والمورداب المتشاكسين يأتون بالفطور البلدي الذي يحبه (كيشو) و يتناولونه معه في أمام فندق أمباسدور في شارع الحرية وهو تحت التشطيب . كانوا يتشاكسون طوال اليوم ولكنهم في الأماسي تبدأ سهراتهم في مودة عظيمة .  كان الصبية من أشبال فرق كرة القدم في الخرطوم غرب يزورونه عصرا  وهو جالس امام بيته وحوله بعض لعيبة الهلال الكبار امثال جكسا والدحيش وايضا لعيبة المريخ بشاره و كمال عبدالوهاب وغيرهم ويطلبون منه التبرع لفرقهم وكان لا يبخل عليهم اطلاقا و شرطه الوحيد هو أن تكون ألوان فنايلهم زرقاء أو بيضاء . كانت له يد في الحركة الثقافية حيث ألف كتابه (كفاح خير) وكان الي ذلك كاتبا رياضيا فقد كان يكتب في الصحف عمودا باسم (كيشوات) ولمدة شهر كامل و بأصول الكتابة الإعلانية كان يكتب موضوعا تحت عنوان " الكنز تحت ظلال الزيزفون" إعلانا لفندق أمباسدور . في الموضوع الواحد كان يتناول اكثر من ناحية فهو ينتقد الرياضة والسياسة والاقتصاد باسلوب محكم دون اسراف أو اسفاف . في عام ١٩٨٠ كان من ممولي صحيفة رياضة اسمها (المتفرج) والتي كان كمال شداد من المسؤولين فيها . كانت الاندية الرياضية تقيم معسكراتها في فنادقه و كان (كيشو) يؤدي واجبه الوطني بما يملك دون من أو أذى ومن اشهرها استضافته للفريق المصري علي نفقته الخاصة بكرم وحفاوة إبان حرب 1967 والفريق كان قادما من اوغندا وقد اغلقت أجواء الطيران في مصر . ضرب (كيشو) أروع الأمثلة حين أوصي قبل وفاته بان يقسم ريع من عقاراته بين الهلال والمريخ والموردة بنسب متفاوته .. كان (كيشو) رجلا محبا للسودان و السودانيين و عاداتهم المتواضعة فقد كان يجلس كل صباح بجوار بائعة فول وتسالى ليتناول منها الفول السوداني بكل تواضع وهو جالس على بنبر من حديد  ممددا أرجله وذلك لقصر قامته وضخامة جسمه فكان يتأمل المارة ويحدث من يعرفهم منهم حديثا عابرا هادئا ومتناسيا كل أمواله وعقاراته . تميز (كيشو) بروحه المرحة فكان عمال البناء من الأخوة الجنوبيين وأكثرهم مريخاب يتجمعون في مظاهرة مرحة أمام فندق الوطني الذي كان تحت التشييد وهم يهتفون ويرقصون (كيشو وجكسا .. سبب النكسة) وكيشو يرقص ويضحك بينهم  . تزوج (كيشو) من امرأة مصرية و أنجب منها ابنه جمال و ابنته غادة . في أم درمان إرتبطت أسرة محمد فريد راشد بقرابة وثيقة مع أسرة محمد بك حسن و حفيده البروفسير مصطفي خوجلي المرشح لرئاسة الوزراء عند قيام انقلاب 19 يوليو . إنتقل مصطفى كمال كيشو الى رحمة مولاه في يناير عام 1991 و إنتقل لقب (كيشو) الى بقية أخوانه . إشتهر (كيشو) بمروءته كرجل بر و احسان في أوساط المجتمع السوداني . لم ينس الفقراء والمساكين وطلاب العلم والباحثين والرياضيين في الأفاق القريبة والبعيدة فترك وصيته بأن جعل جُل ماله وقْفًا لله تعالي تديره مصلحة الأوقاف وخصصه لجهات بعينها منها المعهد العلمي بأم درمان وجامعه أم درمان الأهلية و مسجد محمد بيك حسن في حي البوستة بأم درمان . ترك في وصيته منزلاً فخماً بمدينة النهود ليكون ناديا لفريقها الرياضي و ترك في وصيته نصيبا الى مجموعة من الأندية الرياضية دون تمييز بين مريخ وهلال رغم كونه من أكبر مشجعي الهلال المعروفين حينها . بالاضافة الى ابنه وابنته لم ينس (كيشو) اخواتة البنات فقد ترك لهن في وصيتة نصيب . مصلحة الأوقاف شيدت لافتات في الخرطوم تعريفا بالمحسنين و منهم عبد المنعم محمد و مصطفي كمال كيشو .

(نواصل ...)

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

في قعر ركوبة ست الشاي

 في قعر راكوبة ست الشاي جمبت ستنا                             مآآآآآآآ حارتنا  و بِنريدآآآآآآآ    !!!!!!! لبعض الأوباش في حارتنا وحدتنا الذي...

Post