الاثنين، 6 ديسمبر 2021

قوم لوط كيف نزل عليم العذاب


 لماذا أمر الله نبيه لوط أن لا يلتفت هو ومن معه وان يمضوا حيث يؤمرون ؟ 

................................... 

المنهج القرآني في التعامل مع الشذوذ

وداد الشيخ خالد

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت نهايتهم موجعة، وعقوبتهم مؤلمة، ما نفعهم التحذير، وما أنقذهم حلول نبي كريم بينهم، فقد انتهت قصة قوم لوط بمشهد عذاب الاستئصال ولم ينجُ منهم أحد سوى النبي وآله! لكني لا أسعى لبيان ما حلَّ بهم ولا ما آلوا إليه؛ لأن ما نحن أحوج إليه اليوم هو تأمل صنيع سيدنا لوط -عليه السلام- معهم، ومحاورته إياهم، ومحاولته ردهم للصواب.

ولا سبيل لنا لمعرفة هذا إلا القرآن العظيم الذي ذكر لنا قصة سيدنا لوط مع قومه في ثماني مواضع في: (الأعراف، هود، الحجر، الشعراء، النمل، العنكبوت، الصافات، القمر)، فلما تتبعتُ سياقاتها وما فيها من حجاج ونقاش، وكيف أجاب كل فريق الآخر انتهيتُ إلى تحديد أسباب نشوء ظاهرة الشذوذ كما في البيان القرآني، وأهم ما اعتمده سيدنا لوط -عليه السلام- في دعوة قومه، والرد عليهم.

فأوَّلُ أسباب هذه الفعلة القبيحة هو الإسراف، يقول تعالى على لسان نبيه لوط -عليه السلام-: { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف، 81]؛ فمن اعتاد الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء أسرف أيضًا في باب قضاء الشهوة، وتجاوز المعتاد إلى غير المعتاد[1]، ((وهذه شنشنة الاسترسال في الشهوات حتى يصبح المرء لا يشفي شهوته شيء))[2].

إن الانغماس في مستنقع الماديات يدفع إلى التزيد، والاستغراق بنزوات الجسد يهدي إلى السأم فمحاولة التجديد، فإذا لم يجد الشباب ما يرتقي بأرواحهم وعقولهم، واندفعوا في تحقيق ملذاتهم بغير ضابط، وامتلؤوا من تحصيل شهواتهم بغير رادع، وأسرفوا في تلبية غرائزهم بكل صورة= قادهم هذا للاسترسال في مزيد من الشهوات، وفتح الأبواب المغلقة لتجربة كل جديد، فلا يقفون عند حد، ولا ينتهون عند غاية.

ولذا عبَّر سيدنا لوط بالشهوة في بيان باعث هذا الإتيان القبيح فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بل أنتم قوم مسرفون} [الأعراف، 81] فهي شهوة بهيمية لا يطلبها ذوو الطباع السليمة، بل ينفرون عنها، ويشمئزون منها، ويستعظمونها، فما الذي دعا قوم لوط إليها إلا انحراف الفطرة وفساد الطبع!! مع خلوها عن داعي العقل لطلب النسل، وتفويتها محل الشهوة الفطرية السوية حيث قال: {من دون النساء}! ولا ذمَّ أعظم من أن يكون داعي المرء الشهوة المجردة عن الفطرة والعقل!! [3]

ثم هذا الشذوذ لم يكن ظاهرة نادرة، أو حالة فردية، أو أمرًا مستورًا، بل كانوا مسرفين في هذه الفاحشة[4] مكثرين منها حتى كسروا قيد الحياء، وخلعوا عذار الاستهجان، وصارت عادةً يطلبونها ويصرحون بها، بل ويسيرون في تحقيقها، وهذا ما تسعى إليه دوائر دعم الشذوذ في العالم اليوم، أعني أن تجعل قبوله أمرًا طبيعيًّا عامًّا يتجاوز كونه  عملًا نادرًا أو فاحشة مختفية، أو سلوكًا سريًّا!

ومما يشير لهذا الواقع الذي غدا عليه قوم لوط سعيُهُم الحثيث لدخول بيت النبي الكريم -وقد جاءته الملائكة بهيئة رجال حِسان- بغرض هذه الفعلة القبيحة، قال تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود، 78] فقد ((طوى القرآن ذكر الغرض الذي جاؤوا لأجله مع الإشارة إليه بقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات} فقد صارت لهم دأبًا لا يسعون إلا لأجله))[5]!!

ومنه أنهم كانوا يقطعون الطريق ويتصدون للمارين بأنواع العدوان يريدون إكراههم على الفاحشة، ثم خصصوا مجالسهم للحديث عنها والاستعداد لها، والتظاهر بقبولها وتزيينها، فتكون نواديهم عونًا لهم على مزيد إشاعتها بين الناس[6]، وهذا مما عابهم به سيدنا لوط ونبههم على قبحه: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت، 29]

حتى بلغ بهم أن ارتكبوها في مجالسهم علنًا؛ فممَّا فُسِّر به الإبصار في قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل، 54] بصر العين ((لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معالنين بها، لا يتستر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة، وانهماكًا في المعصية))[7] فانظر كم جمعوا من فظائع لما سيطرت عليهم هذه المعصية؛ إذ إن قطع السبيل فساد في ذاته، وهو لمقصدهم أفسد، وفعلها في الستر قبيح لكنه في العلن أقبح، والسرور بها شنيع لكن الدعوة إليها أشنع! وهذا شأن المعاصي والآثام إذا استسلم لها المجتمع لا تقف عند حد إلا وانتقلت لما يليه.

ولو تأملنا ما يحصل في الإعلام اليوم من حملات مسعورة لتزيين هذه الخبائث وتلطيفها تحت شعارات مختلفة من ((حرية الرأي)) و((قبول الآخر)) و((أنت حر ما لم تضر)) =لعلمنا أنها من مشكاة واحدة تسعى لتطبيع القبيح، وتلطيف المشين، وتحسين المنكر، حتى صارت شيئًا معلنًا صريحًا لا يستخفي منه صاحبه! ولا يستصغرن أحد دور الإعلام؛ فإن ((كثيرًا من المفاسد تكون الناس في غفلة عن ارتكابها؛ لعدم الاعتياد بها، حتى إذا أقدم أحد على فعلها وشوهد ذلك منه تنبَّهت الأذهان إليها وتعلقت الشهوات بها))[8].

وهذه الحرية المزعومة والعلمانية المبطنة التي ينادون بها في التعاطي مع الفواحش الاجتماعية لا تختلف كثيرًا عن موقف زوجة سيدنا لوط -عليه السلام- فإنها كانت راضية بفعل قومها غير معترضة عليه، فلما جاء العذاب كانت من الهالكين؛ لأن الراضي بالمعصية في حكم العاصي[9]، وسنة الله في عباده أن يعاقبوا جميعًا فعلوا أو رضوا[10].

فكيف وقف النبي الكريم لوط -عليه السلام- أمام هذا السيل من الخبث؟

استشرى هذا الوباء الأخلاقي في القوم، فكان لا بدَّ من القضاء عليه، فإذا تأملنا فلسفة القرآن الكريم نجد أن سيدنا لوطًا -عليه السلام- اتبع أساليب عديدة ناجعة للتصدي له، تظهر من خلال الآتي:

الوصف بالتقبيح: ((الفاحشة))

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأ

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

في قعر ركوبة ست الشاي

 في قعر راكوبة ست الشاي جمبت ستنا                             مآآآآآآآ حارتنا  و بِنريدآآآآآآآ    !!!!!!! لبعض الأوباش في حارتنا وحدتنا الذي...

Post