الأحد، 3 سبتمبر 2023

محمد ميرغني

 تهفو القلوب إلى الحبيب من بنو سلمة حتى قيام الساعة  

بقلم / محمد ميرغني الشيخ 

كُلّ الْقُلُوبِ إلَى الْحَبيبِ تَمِيل  

وَمَعِي بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَدَلِيلٍ  

أَمَّا الدَّلِيلَ إذَا ذُكِرَتْ مُحَمَّدًا  

صَارَت دُمُوع العَاشِقَيْن تَسِيل  

  كلما أغلقت السلطات الأمنية المدخل الذي يفضي إلى باب السلام وذلك بوضع الحواجز والتي تتم خمسة مرات في اليوم قبل إقامة الصلاة للحد من السيل البشري المتقدم نحو قبر المصطفى ﷺ وقلوبهم تكاد تطير والشوق يسابق خطو مسيرهم ، حتى يتمكن رجال الأمن من تفريغ البهو الأمامي ما بيين المنبر وقبر المصطفى ﷺ كي يتمكن الإمام من الولوج متقدماً الروضة الشريفة ، ذلك الموقع المخصص لإمامته ، فتجد المصلين خارج المسجد يتكدس منهم عدد كبير بالقرب من السياج والمسارات التي تفضي إلى باب السلام من جديد حتى يضمنوا لأنفسهم أقرب المواضع التي تجعلهم في المقدمة للولوج لزيارة الحبيب النذير عليه من الله أتم الصلوات والتسليم ، فينطلق السيل البشري مجدداً ويستمر حتى موعد إقامة الصلاة وهكذا دواليك  

       جموع من شتى بقاع العالم من بنو الأصفر والأحمر والأسمر كلهم ذلك المستهام الذي تسابق خطواته شوقه وكما قال الشاعر أبو عبد الله بن الخياط الدمشقي  كل القلوب إلي الحبيب تميل ولم يستثني فلا صحة لإدعاء قوم محبته أكثر من غيرهم ولعل الشواهد كثيرة ففي برامج ( يوتوب ) قام به بعض الشباب العربي  في دولة غربية قصدوا بها المسلمين العرب في دول المهجر كان السؤال ماذا انت قائل للمصطفى ﷺ  إذا قدر لك ملاقاته ووجدته امامك فكانت العبرة تغتال الكلمات وتسيطر على الموقف والدموع تنهمر وتتجلى علامات المحبة التي تتخطى كل الحواجز فالكل محب فوق العادة لجناب الحبيب المصطفى ﷺ 

لَو صادفتني مِنْ لَدُنْكَ عِنَايَة 

لأزور طَيِّبَة وَالنَّخْل جَمِيل  

هَذَا مَقَالِي فِيك يَا أَشْرَف الورا  

ومدحي فِيك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَلِيلٌ

      وفي  حياته صلوات ربي عليه والسلام هنالك قصة  ثَوْبَانُ مَوْلَى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي كان  شديدَ الحُبِّ له ، قليلَ الصبرِ عنه ، فأتاه ذاتَ يومٍ وقد تَغَيَّرَ لونُه ، يُعْرَفُ الحُزْنُ في وجهِه ، فقال له :- رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ما غَيَّرَ لَوْنَكَ ؟ فقال :- يارسولَ اللهِ ، ما بي مَرَضٌ ولا وَجَعٌ ؛ غيرَ أني إذا لم أَرَاكَ اسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شديدةً حتى ألقاك ، ثم إني إذا ذَكَرْتُ الآخِرَةَ أخافُ أَلَّا أراكَ لأنكَ تُرْفَعُ إلى عِلِّيِّينَ مع النَّبِيِّينَ ؛ وإني إن دَخَلْتُ الجنةَ كنتُ في منزلةٍ أَدْنَى من منزِلتِكَ ، وإن لم أَدْخُلْها لم أَرَاكَ أبدًا ، فنزل قولُه تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ  وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )؟

هَذَا النَّبِيِّ الْهَاشِمِيّ مُحَمَّدًا  

هَذَا لِكُلِّ الْعَالَمِين رَسُول  

هَذَا الَّذِي رَدَّ الْعُيُون بِكَفِّه  

لَمَّا بَدَتْ فَوْق الْخُدُود تَسِيل  

هَذَا الْغَمَامَة ظللته إذَا مَشَى  

كَانَت تَقِيل إذَا الْحَبِيب يُقِيل

        ولك أن تتصور أن يأتي حسان بن ثابت رضي الله عنه قبل أن يباشر الإيمان قلبه وهو مشحون بالغل والكراهية قابضاً من المشركين نول الخزيء والعار الذي توافقوا عليه بأن يهجو النبئ ﷺ وينظم قوافي  الشعر في مذمته فوقف حسان بن ثابت على ربوة ينتظر مجيء الرسول ﷺ وهو يبحث عن صفةِ منقصة ، تكون مفتتحاً لقصيدته المزعومة ولكن هيهات ، فبمجرد أن وقع عينه عليه أنسرب الحب لداخله فغسل ما به من غل وكراهية وأبدلها محبة جعلته ينشد قربه ووده ﷺ فما كان منه إلا أن غفل راجعاً للقوم  ،  ورد لهم المال وقال : هذا مالكم ليس لي فيه حاجة  ، وأما هذا الذي أردتم أن أهجوه  .. فأعلموا أني أشهد أنه رسول الله ، فقالوا ما دهاك ؟؟ 

ما لهذا أرسلناك !!  فأجابهم شعرا 

لمّا رأيت أنواره سطعت

وضعت من خيفتي كفّي على بصري

خوفاً على بصري من حسن صورته

 فليس أنظر إلاعلى قدري 

روح من النور في جسم من القمر

كحلية نسجت من الأنجم الزهر     

 أما قصة بنو سلمة وقد كانوا يتكلفون الصعاب حتى يكونوا بالقرب منه ﷺ     ومنهم معاذ بن جبل فقد كان يعود لدياره في بنو سلمة ويصلي بهم العشاء بعد أن يصلي مع حبيبه ﷺ  فرض العشاء ومن  ثم يعود كي يصلي بضعفاء القوم وكبار السن ممن تعذر مجيئهم ودليل أنه لم يبقى إلا الضعفاء هو شكواهم من إطالة معاذ للصلاة ومن حرصهم في أن يكونوا قرب الحبيب ﷺ شرعوا في شراء أرض كي ينتقلوا إليها قرب المسجد النبوي فقال لهم المصطفى دياركم تكتب آثاركم وقد قرأت تُكْتٌب بالضم وتَكّتِب آثاركم بفتح الأولى وكثر الثانية .

 وذلك حسبما روي في حديث جابر رضي الله تعالى عنه  

(أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ  يقول: أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال لهم: إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تتنقلوا قرب المسجد، فقالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: بني سلمة يعني: يا بني سلمة، منادى حذفت منه ياء النداء، ديارَكم تُكتب آثارُكم )

 إذ أنه أراد لهم نيل فضل خطو أقدامهم ، عملاً بما ورد في البخاري من حديث أبوموسى رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي وينام ) 

ولم يكن سعيهم وتفكيرهم في شراء دار قرب المسجد النبوي إلا محبةً في أن يكونوا في حضرة الحبيب ﷺ .وقريب منه   

هَذَا رَسُولُ اللَّهِ هَذَا الْمُرْتَضَى  

هَذَا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَسُول 

يَا سَيِّدَ الْكَوْنَيْنِ يَا عَلَمِ الْهُدَى  

هَذَا الْمُتَيَّم فِي حِمَاك نَزِيل  

 أذكر أنني في زيارة سابقة لي بعد أن تولت الحملة التي تعاقدت معها برامج الزيارات حسبما هو متفق عليه تنفيذاً لما يذكره الشيوخ في تحديد مزارات بعينها وحسب أردت أن إستكمل ما لم يتضمنه البرامج من مزارات فإتفقت مع صاحب عربة بأنني أريد جميع المزارات دون تقيد والذي تفضل بأن ذكر لي بأنه سوف يضمن ضمن رحلته ما لم يخطر على  بالي فكان منها ديار بنو سلمة  التي حينما قصدناها ظلت عربته تشق الطريق المسفلت حتى بلغت شارع عبد المحسن بن عبد العزيز وولجت لشارع سلطانة ثم نزل إلى شارع ترابي بعد أن أكملت العربة قطع ثمانية آلاف كيلو مترات  بالتمام على محازاة مسجد القبلتين وبين البنايات العتيقة ظهرت لوحة مثبتة على الأرض مكتوب عليها ديار بني سلمة . 

      هنا قد بلغ الإندهاش منتهاه كل هذه الخطوات والتي بالكاد قد بلغناها بعربة عُبد لها الطريق هي خطوات من المحبة كُتبت لقوم بني سلمة يا للبون الشاسع بيننا وبين ما حصدوه من فضائل وآثار كتبت لهم إذن هذه الخطوات تصل وتزيد على الخمسة عشر كيلوات  مترا جيئة وذهاباً في أرض من التلال والجبال غير المستوية  في ذلك الزمان .

هَذَا الَّذِي شَرَف الضَّرِيح بِجِسْمِه  

مِنْهَاجِه لِلسَّالِكِين سَبِيل   

يَارَبّ إِنِّي قَدْ مَدَحْت مُحَمَّدًا  

فِيه ثَوَابِي بِالْمَدِيح جَزِيل  

صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا عَلَمِ الْهُدَى 

مَا لَاحَ بَدْرٍ فِي السَّمَا دَلِيل

       تجد أن صور المحبة قد ولدت شيء من الغلو فيصر البعض على ملامسة السياج والجدار وكلما هو حوله ومنهم من يخلع عمامته ويمسح بها على الجدار وتجد أن من بلغ من نساء سوداننا الحبيب مبلغاً من العمر إذا جالست صويحباتها وأتت بمقال إستحلفت على صحته تبادر قائلة ( أنا مسكت شباك النبي بي يدي ما بكضب ) والذي لا شك فيه أن زيارتها لقبر النبي جاءت مقرونة بشعائر الحج والعمرة ولكنها إختارت أن تستشهد بشباك النبيء   ﷺ ويذهب غلاة الصوفية لأكثر من ذلك عندما يتناولون سيرة المادح عبد الرحيم البرعي فيقولون إنه حرم من الزيارة لأجل أن ما به من شوق ظل يسطره في مدحه سيدع المصطفى  ﷺ ينهض لمعانقته ولن يكتفي برد السلام حسبما ورد في حديث( أبو داؤود عن أبي هريرة رضي الله عنه  ما من أحدٍ يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه ) ويمعن بعضهم بمزيد غلو بقوله أن قبره يتحرك زحفاً من ربا اليمن نحو يثرب ويوم وصوله سيعتنقه الحبيب صلى الله عليه وسلم ( أي أن وصول القبر الزاحف سيبلغ منتهاه عند قيام الساعة) 

ويرددون قصائده

رحلتمْ ذات يومَ البينِ عني

فها أنا بعد كمْ أبكي الربوعا

وماليَ لاَ أنوحُ على طلولٍ

أطلتُ بأهلهاَ وبها الولوعا

وفي يومِ الربوعِ سلبتَ عقليِ

بنجدٍ لا رعى اللهُ الربوعا

وكنتُ أحبُ أنْ أخفي غرامي

فيأبي الدمعُ إلا أنْ يذيعا

فكيفَ بهائمٍ يرجو وصالاً

ولمْ يكنْ الزمانُ لهُ مطيعا

# ورد في حديث آخر من أحاديث بنو سلمة أن المصطفى ﷺ قال لهم دياركم تكتب آثاركم لا تعروا المدينة أي لا تدعوها مكشوفة فيستغلها المنافقين ، حتى تكون بنو سلمة حصن من حصون المدينة وقد كانت 

# نسأل الله أن يبلغنا زيارته وإتباع سنته ويفرج عنا وعن أمته 

هَذا محمد المَحمود سيرته

هَذا أبر بني الدنيا وَأَوفاها

هَذا الَّذي حين جانا بالرسالة في

بَطحاء مكة عم النور بطحاها

لَم يَبقَ من شجر فيها وَلا حجر

الا تحييه نطقا حين يَلقاها

وَكلمته جَمادات الوجود عَلى

علم كأن لها حسا وأَفواها

وَالطير وَالوَحش والاملاك ما برحت

تهدى السَلام له كي تَرضى لِلَّه

مني السَلام عَلى النور الَّذي اِبتهجَت

به السَموات لما جاز أَعلاها

واِستَبشر العرش وَالكرسي وامتلأت

حجب الجلالة نورا حين واناها

يا من له الكوثر الفياض مكرمة

يا خاتم الرسل يا يس يا طه

صَلى عليك الهى يا محمد ما

دامَت اليك الورى تحد وَمطاياها

تحيَّة يَنثَني في الآل طالعها

سعدا وبفضح ريح المسك رياه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق