نهارات منكورة وليالي ممرورة وتراب لا يعرف طعم أقدامنا..بلا هدى نعيش ولا ترى عيوننا سوى الموت والدمار ، أقسى يتم يمكن أن يعيشه الانسان.
إنه لا عاصم اليوم سوى في ماض سحيق، أريد أن أكتب لعل نفسي تستكين وتدرك انها ليست منبتة.
(١)
رغم 'الصرة' العجيبة في صور الطفولة دي، ورغم إننا عشنا كأسرة في ظل التأثر من السجون والمنافي والمصادرات والمطاردات لكن أنا كنت طفلة سعيدة جداً، ومهما تكون الظروف كنت بقعد في الأرض تحت أمي شامة وهي سيدة عظيمة الجسم والفعل والمقام، واتمنى ما شئت، وهي تقول لي حااااضر، ونسبة لهذه الحماية والحنان المتدفق لم أشعر بالحرمان أبداً، وكنا كمان قابلين أقدارنا بنتفشى ونغني 'ما دوامة ..الدنيا ما بتنقدري جبتي النميري الفقري والقذافي النقري في المنام دموعي بلّن سدري'، أياما ديك النميري قاهرنا بي جاي وبي هناك عامل حلف مع القذافي والسادات الضربوا ليه الجزيرة بالطيران.
(٢)
في بيت الملازمين بتذكر لمن كنت صغيرة بتناديني أمي لمن يكون معاها ضيفات بقعدوا يسألوني وكلامي بضحكهم🤷🏽♀️ اظن كنت فصيحة وقليصة، وبتذكر خالتي ثريا الشنقيطي الله يرحمها بتدلعني دلع..أثر السعادة بي شوفتها عشرات السنين ما محته، اخر مرة لاقيتها قبل وفاتها كان في بيت بكا اتونسنا وضحكنا وسعدت بيها شديد كزولة لطيفة محبة للحياة.
لمن دخلت المدرسة حسب حركات زمان كنت صغيرة (٥ سنة) وبتذكر كنا بنمشي المدرسة كُدُر (يعني بي رجليننا) وبيت الملازمين كان قريب من التمرين الابتدائية (كلية المعلمات سابقاً)، رابحة عثمان وأم سلمة بت المهل ومريم قريبة عم المهل كنا بنناديها مريم ماكيبا😂 وأنا، أطولنا رابحة وأنا أقصر واحدة، رابحة كانت طيبة شديد. مرة راجعين البيوت عاينت لي كدة قالت لي انتي راسك زي الفلكسواجن 🙊 .. غايتو اتغظت وسكتّ والوكت داك كانوا دايماً بكاووني بالفلكسواجن دي 🤦🏾♀️؛ انما هي عربية لطيفة والله ، ميساء الشوملي صديقتي من الجامعة الاردنية بتسميها بإعزاز 'فوكسة' وفيما بعد لمن دخلت معهد جوته عرفت انو الاسم من مقطعين فوكس volks وتعني الشعب ڤاجن wagen معناها عربة، فولكسڤاجن تعني 'عربية الشعب' .. فمرحى❤️
المهم المشاوير كانت لطيفة، لكن لمن طلعت نتايج السنة الاولى في المدرسة جيت تانية الطيش😷 بكيت بكا، وفي مشوار الرجعة جدعت فطوري في المياه الآسنة الكانت (وما زالت شوف دي كم سنة!) قدام سجن أم درمان، لمن وصلنا البيت أمي عزيزة حنستني وكانت مشكلتها الكبرى اني جدعت الفطور وما أكلت وهي عندها قضية الاكل دي مقدسة عديل، تحكي لي اي زول زينب شدة ما زعلت عشان طفّشت لمن جدعت الفطور ، وبتذكر كان أول ما المدرسة تقفل وتبدا الإجازة بحننوني في عنقريب قصير كدة بتاع امي عزيزة ، حنة رجلين سادة ويدين .. ما اعرفش ليه😳😂
(٣)
أول سفرة برة السودان كانت في بداية السبعينات، لمصر .. عشان نلاقي أبوي، الكان بعد انقلاب مايو سجنوه في جبيت ونقلوه الى سجن بورتسودان، بعدها ودّوه شندي، ثم نفي إلى مصر ، تلك الفترة التي كانت قاسية جداً، فإن كانت كتلة كرري كتلة غزاة فكتلة الجزيرة أبا كانت من بني الوطن ذاتهم بعون أجنبي💔
المهم، إقامة أبوي الجبرية كانت في بيت في العباسية حسب ما أذكر، وربما مصر الجديدة🙄 ذكرياتي محشوة بنوادر من امي رحمة الكانت بتخاف شديد من الصرصار 'أم قرمبع'، وكان في ست اسمها أم أحمد بتجينا وبتسمي أم قرمبع دي 'الزرمبعة'.
أياما ديك كان في خطابات طوالي من السادات في التلفزيون، اظنو كان في تعبئة لحرب ٧٣، والسادات كان عندو أداء مسرحي كدة بخلي خطابو يتحفظ، بتذكر أبوي بناديني يقول لي السادات قال شنو طوالي أدخل في الدور : الظابط الصُغَيّر آل لي إلحق يا ريس البلد ح تغرق - بالمصري طبعاً - وأبوي يضحك😂.
………………………………
نعم، عشنا طويلاً وضحكنا كثيراً ، لم تهزمنا محن الزمان وامتحاناته.. لكننا انتهينا إلى ليالٍ لا تعرفنا صباحاتها ، ولا ننام.
طول عمري اخت راسي انوم، جبدتني امي وصال، ولكن..
هاكِ الميلاتونين ، قالوا.. فلا نفع ولا شفع.
لا أنفك أتخيل نفسي حمامة أطير وأطير وأسكن إلى سريري، هناك كنت بنوم نوم.
أو أطير وأمشي القبة وأخلي عم عيسى يفتح لي الضريح..ادخل عند تربة أبوي لأغفو.
النوم تعال، يا النوم تعال.
#لا_للحرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق