الأربعاء، 2 مارس 2022

نظام الحواكير في غرب السودان

 الجزء الرابع 

حقيقة الحواكير (الأراضي المجتمعة) ونظام الإدارة الأهلية في دارفور .. 

الدكتور/ إدريس يوسف أحمد

1. الأعراف والتقاليد والقوانين التي تحكم تنظيم العلاقة بين المزارع والراعي:

* إن حرفتي الزراعة والرعي هما حرفتان متلازمتان لحياة إنسان دارفور منذ القدم ، وإن جل المزارعين هم ايضا رعاة للأبقار والأغنام بنوعيها، عدا الإبل .

* إستقطاب قبائل بعينها لمهنة الرعي وأخرى للزراعة لم تظهر إلا مؤخرا. مما حدا بالكثيرين أن يظنوا، خطأ، أن أي نزاع يحدث بين المزارعين والرعاة إنما هو نزاع أو صراع قبلي بين العرب والقبائل الأخرى غير العربية .

* أي نزاع بين المزارع والراعي يمكن أن يحل من خلال الأعراف والتقاليد والموروثات القديمة بواسطة الأجاويد .

* إن العلاقة بين الزراعة والرعي أو المزارع والراعي قد نظمت منذ القدم بتقاليد وأعراف وقوانين معروفة وملتزم بها عبر التاريخ .


* حددت مسارات محددة ومعلومة للإبل من شمال دارفور إلى جنوبه ، وأخرى للأبقار من جنوب دارفور إلى وسطه.

* حددت مواعيد محددة لدخول الرعاة بإبلهم جنوبا وبأبقارهم شمالا وخروجهم منها، كما هو موثق في مؤتمر صلح عام 1989م بين الفور وبعض القبائل العربية.


* هذه المواعيد تسمح للمزارعين من الحصاد وتجميع منتوجهم قبل وقت مناسب (أي قبل نهاية فباير من كل عام) عندما يتحرك الرعاة من مواقعهم أثناء الخريف؛ وللحفاظ على الزراعة الجديدة من التلف عندما تتحرك الإبل شمالا مع بداية فصل الخريف ( أي في أواسط يونيو من كل عام).


* إن حكومة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري أعدت هذه المسارات على خرائط صدرت إبان حكمهم في الفترة من 1916 و حتى 1956م لفض النزاعات بيت المزاعين والرعاة.

* كما أن هناك حدودا أو حرمات للقرى والبساتين لا يجب تجاوزها أو الإقتراب منها (5 – 8 كيلومتر)، التي هي لرعي مواشي وأغنام القرى.


* هناك قوانين وأعراف وتقاليد لفض النازعات والخلافات التي قد تنجم. فقانون “دالي” المشهور وقرارات وتوصيات مؤتمرات الصلح بين قبائل دارفور إضافة إلى القوانين الولائية التي صدرت مؤخرا لتنظيم الزراعة والرعي هي شاهدة على إدراك أهل دارفور منذ فترة غير قليلة لأهمية تنظيم وتقنين العلاقة بين المزارع والراعي.


* إن الجفاف الذي ضرب منطقة شمال أفريقيا وبالتحديد شمال دارفور، قد أثر على مواعيد الدخول والخروج من ولايتي غرب وجنو دارفور بسبب إنحسار الأمطار والمراعي جنوبا ، لذا فقد تقرر مراعاة تأثيرات هذا التحول المناخي الكبير في المنطقة في تقديم مواعيد الطلقة أوتأخيرها أو تأخير مواعيد الخروج أو تقديمها من المناطق الزراعية بالجنوب.


* إن إستقرار الرحل وتعليمهم وتطوير المراعي وسبل الرعي وتطوير مصادر المياه بما يؤدي إلى توقف هذا التجوال غير الاإقتصادي بالنسبة لمهنة الرعي، سيظل هدفا إسترتيجيا لأهل دارفور والسودان أجمع من إجل الخروج من دائرة الرعي التقليدي والصراع التقليدي بين المزارع والراعي .


المسارات المعروفة المتفق عليها :


المسارات التي تم الإتفاق عليها في مؤتمر الصلح بين الفور وبعض القبائل العربية الذي عقد بالفاشر في الفترة من 15إبريل 1989م – 8 يوليو 1989م هي سارية التنفيذ وواجبة العمل بها وكذلك الأعراف والتقاليد والموروثات المعمول بها عبر السنين ، في تنظيم وتقنين العلاقة بين المزارعين والرعاة، تحقيقا للتعايش السلمي بين المزارعين والرعاة . لذا فإن أية قوانين ولائية أو إقليمية لابد وأن تكون تفصيلا وتقنينا لما أقر في مؤتمر الصلح المشار إليه أعلاه.


كما لابد من تطوير سبل وآليات الزراعة التقليدية وكذلك الرعي التقليدي وتطوير وزيادة مصادر المياه على مسارات الإبل والمواشي وزيادة الإستخدام الأمثل للارض في دارفور، والعمل على تعليم الرعاة بصفة خاصة والسعي لإستقرارهم ، تفاديا للإحتكاكات بين الراعي والمزارع . مسارات الإبل والأبقار موضحة في الشكلين (5) و(6).


النزاع الحالي حول الأرض(الحواكير) ونظام الإدارة الأهلية

 

إن نظام الإدارة الأهلية كما أسس وطور عبر السنوات من قبل سلاطين الفور، تمكن من التغلب على التحديات عبر السنوات ، وذلك لأن قبائل دارفور كانت لها الولاء لحواكيرهم ولزعماء ونظام الإدارة الأهلية.


إن المشاكل والنزاعات حول الأرض وحول نظام الإدارة الأهلية في دارفور يمكن إرجاعه إلى الأسباب التالية:

الهجوم المستمر عبر القرون على 


سلطنات دارفور ساهمت كلها في إضعاف نظام الإدارة الأهلية القوي، الموروث الذي أسس عبر السنين في دارفور.


التدفق القبلي الكبير إلى دارفور مؤخرا، من قبل قبائل دول الجوار التي لديها فروعا أو أقارب في دارفور


إهمال الحكومات القومية لأمر ملكية الأرض والتسجيل لأغراض السكن والزراعة والبستنة والرعي في دارفور،


فشل الحكومات المركزية المتعاقبة على إصدار الوثائق الثبوتية وتطبيق نظام السجل المدني لكل السودانيين، لاسيما للمناطق الحدودية، الزيادة المضطردة في التعداد السكاني للقبائل الصغيرة التي تعيش في حواكير القبائل الكبيرة والحاجة لتنظيمهم والتحكم عليهم إداريا من خلال زعمائهم.


طلب هذه القبائل ليكون لها مستوى من التمثيل في نظام الإدارة الأهلية (شيخ أو عمدة أو ناظر) ولتكون لهم في النهاية أرض لممارسة السلطة عليها وعلى رعاياها.


طلب الأقليات النامية للمشاركة في السلطة المحلية والولائية والإقليمية وفي الحكومة القومية، وإتجاهاتهم في البحث عن وسائل مستقلة خارج إطار الهياكل الإدارية الموجودة لتحقيق رغباتهم الجفاف الذي ضرب شمال دارفورعام 1983م وتحرك مجموعات كبيرة من المواطنين والثروة الحيوانية من الشمال إلى الدور أو الأراضي المجتمعية للقبائل في جنوب وغرب دارفور.


تبلور المهنتيين الأساسيتين في دارفور (الزراعة والرعي) حول مجموعتين إثنيتين إثنين لأسباب معلومة.


* إن قلة أو إنعدام التنمية في كل المجالات في دارفور لاسيما في مجالات المياه والرعي وإستصلاح الأراضي.

* المحاولات المستمرة من الحكومات القومية لإلغاء نظام الإدارة الأهلية في السودان وبصفة خاصة في دارفور،

* التسييس الذي تم مؤخرا لنظام الإدارة الأهلية من قبل الحكومات القومية.


حيازة الأرض بين القانون العرفي والقانون الرسمي


أهم قانون بالنسبة للأرض هو قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م الذي يقضي بأن أي أرض غير مسجلة تعتبر كأنها كانت مسجلة بأسم حكومة السودان . مما يعني نزع سلطة توزيع الأراضي من الجهات التقليدية وفق القوانين العرفية، وقد مارست الحكومة المركزية صلاحياتها بأن قامت بتوزيع الأرض على ملاك جدد، من غير أصحاب الحيازات التقليدية ، مثل مشروعات الزراعة الآلية التي لم تراع فيها حقوق الإنتفاع والرعي حسب ما كان معمولا في السابق . 


والقانون المعني هذا قد تم تعديله في سنة 1970م ثم مرة أخرى في سنة 1984م، ولكنه إحتفظ بجوهره في أن الحكومة هي صاحبة الحق في كل الأراضي غير المسجلة.

ولمزيد من التوضيح نورد التفصيلات التالية:

أولا : القوانين الإتحادية وإتفاقات سلام دارفور:

المادة /559/ أ من قانون المعاملات المدنية لعام 1984 تقرر الآتي:


1-” الأرض لله والدولة مستخلفة عليها ومسئولة عنها ومالكة لعينها” هذه المادة من المواد الظالمة التي إستخدمت لنزع حقوق ملكية أهل الريف الثابتة في الأرض وبدون تعويض وجعلتها تحت مسؤولية الدولة وعليه لابد أن تعدل هذه الماذة لتعالج حقوق أهل الريف في الأرض.


2-الدولة السودانية لم تحترم المادة /560/ أ من قانون المعاملات المدنية لعام 1984 التي تقول :

” من أحيا أرضا مواتا بعيدة عن العمران بالزراعة أو البناء فهو أولى بها من غيره، ومن حفر بئرا في أرض موات بعيدة عن العمران فهو أولى بها ”


3- المادة /560/ من نفس القانون الفقرة (4) تقرر

” المنفعة المشروعة بموجب أحكام هذا القانون ولو كانت غير مسجلة، يحميها القانون في حدود الإنتفاع الحقيقي ولا تنزع إلا لمصلحة عامة ومقابل تعويض عادل ”


4- إتفاقية أبوجا لسلام دارفور عام 2005م

أقرت الدولة بحقوق ملكية الأرض الجماعية أي الأراضي القبلية ( الحواكير) والحقوق التاريخية في الأرض والأعراف والتقاليد وفقا لما جاء في إتفاقية سلام دارفور لعام 2005م . لذا لابد من إزالة التضارب بين القانون العرفي والتقاليدي والقانون الرسمي لأن قانون المعاملات المدنية لعام 1984م نصوصها تتعارض مع هذه الأتفاقية.


5-وثيقة الدوحة لسلام دارفور(2011م)،الذي أصبح جزءا من دستور السودان،المادة 34:


البند 188:“يجب إقرار وحماية حقوق ملكية الأراضي القبلية (الحواكير) والحقوق التاريخية المتعلقة بالأرض والمسارات التقليدية والعرفية للمواشي وفرص الوصول إلى مصادر المياه، ويتعين على كافة مستويات الحكم ذات الصلة بدء وإستكمال عملية تطوير لتعديل القوانين ذات الصلة بشكل تدريجي لتضمينها القوانين العرفية. وفقا للممارسات والتوجهات الدولية في هذا الصدد. ولحماية التراث التقليدي، تفتح مرة أخرى المسارات التقليدية والعرفية للمواشي التي أغلقت، كلما كان ذلك ممكنا أو تفتح مسارات إخرى بديلة“.

البند 189: يجب أن تنص القوانين الخاصة بالأراضي المعدلة وفقا للفقرة (188)، على إقرار وحمايةالحقوق التاريخية والتقليدية والعرفية في الأرض.

البند 190: |لايجوز تجريد أي شخص أو مجموعة من الأشخاص من أي حقوق تقليدية أو تاريخية متعلقة بالأرض، أو من حقهم في الوصول إلى مصادر المياه، بدون إستشارتهم وتعويضهم بصورة عادلة وعاجلة“.


ثانيا : الحيازات التي تمت بسوء نية لا تحميها القانون:

1- المادة /638/من قانون المعاملات المدنية لعام 1984م تقر الآتي:

” يصبح الحائز سيء النية من الوقت الذي يعلم فيه أن حيازته إعتداء على حق الغير “


2- المادة /638/2 من نفس القانون تقرر الآتي:

” يعتبر الحائز سيئ النية من وقت إعلانه في صحيفة الدعوى بما يفيد أن حيازته إعتداء على حق الغير ، كما يعتبر سيئ النية أذا إغتصب الحيازة بالإكراه من الغير“


المراجع: 1- كتاب “حقيقة الحواكير ونظام الإدارة الأهلية في دارفور”


2- ” قانون تسوية وتسجيل الأراضي لعام 1925م تعديل 1984 م“

خريطة سلطنة دارفور سنة 1914

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق