الأربعاء، 24 يونيو 2020

قصة قصيرة

  • وجد نفسه فجاءة محاطا بثلاثة من العسكر... حين فتح عينيه بعد أن أخذ نفسا عميقا.. من لفافته اللعينة.. التى كانت من إجتذب قوة رائحتها هؤلاء العسكر أثناء طوافهم الليلي وهم يؤدون واجبهم لتأمين المنطقة..

  • كان صاحبنا... قد إتخذ موضعا شاعريا... على ضفة النيل الأزرق  الشرقية... بالقرب من ( حلة كوكو) ... آتيا إليه من المبنى المطل على النيل... في وقت من بداية الليل وإلى ما قبل أن يغشى الليل عتمة الغسق...  فأشعل لفافته يبحث عن متعة يصنعها خياله... هروبا من واقع يظنه بأنه مرير..
  • لم يكمل متعته الواهمة حين داهمه أؤلئك النفر الذين إجتذبتهم إليه  تلك الرائحة المألوفة التى يتميّز بها ذلك النوع من الممنوعات التى يعاقب عليها القانون تعاطيا لمن يتعاطها.. فكان مصيره أن يقع في قبضتهم بذلك السبب... والذى رماه صاحبنا على القدر ... حين آتاه ..!! وهو شعور يأتيننا دائما عندما نريد التخلص من فعل نقوم به بكامل إرادتنا... وحين نقع في المحظور .. ننكره ونلصقه بالقدر ..!! 

  • حاول التخلص منها ... ليقذفها بعيدا... ولكن كانت يد الشرطى أسرع مانعا أياه ذلك بالإمساك بها .. مطفئا بها على راحة يده المخضبة بالحناء...!! فكيف للشرطي أن يتركه أن يتخلص منها... وهى الدليل المادي في حالته  .. والقبض عليه متلبسا .. وإلا لا جريمة.

  • أخذوه.. إلى المركز... قسم شرطة شرق النيل..

  • الضابط المناوب... برتبة الملازم.. حديث التخرج.. وفي بداية تجربته العملية ... 
  • نظر إليه مليا... لحظة من الصمت قبل أن يوجه إلي سؤالا......!
  • ** عريس ؟ 
  • فقد كان المتهم الذي أحضروه أمامه.. هيئته كذلك.. كفي يداه ، وقدميه يخضبها لون الحناء كالحة السواد.. وبملابس البيت..(عراقي وسروال)..
  • كهذا خرج... متعللا لعروسه.. والتى تركها الآن وحيدة لم يفصح لها بحقيقة جهته التى يقصدها .. ماذا يكون الحال عندها الآن.. وقد طالت غيبته بغير ما كانت تتوقعه من إتنظار ظنت بأنه لن يغيب عليها طويلا.. وهو يخرج بتلك الملابس.. وهو أيضا لم يكن بأنه سيغيب عنها فأصبح يعاتب نفسه.. لما فعل ذلك ؟! أنه الآن خسر كل شئ وهو مازال يبدأ مرحلة جديدة في حياته... ما زالت في(شهر العسل)..
  • وماذا فاعل به هذا الضابط المستجد..؟!
  • طأطأ براسه نحو الأرض مكسوفا.. 
  • وبماذا .. يرد.. إنها النهاية... ولكن تلك المسكينة... ماذا .. يكون حكمها عليه الآن حين تكتشف حقيقة كان يخفيها عنها خالها بعيدة في تعرفها.. ولكن.... حيث لا ينفع الندم.... وأخذ نفسا عميقا... عله يخفف عليه عظم المصيبة..
  • ** لماذا..؟ وما الدافع..؟! وأنت في بداية أجمل ايام حياتك ؟ أن ترتكب ذلك ؟ 
  • أتعلم ماهي عقوبتك ؟
  • كان إستجاوبا من الضابط .. وبداية التحقيق..

  • لم ينتظر الضابط إجابة... داهمه شعور  أليم.. أن قام بتنفيذ واجبه تجاه هذه القضية.. ويضاف له نوع من النجاح في تحقيق العدالة وبداية موفقة تضاف في سجله العملى مستقبلا..
  • ولكن... ما لهذا المتهم (العريس) ؟!
  • لابد أن يكون من أمره سر أو مسأله فوق أن تتحملها رقته التى تطل عبر سماته .. فأوقعه مصيره إلى هذه اللحظة.. الفارقة... إما أن تقوده إلى السجن... فتنهي حياة إنسان بدأ بناء مستقبل مع شريكة ..لاتعرف أين هو الآن .. وإن عرفت وحتما ستعرف لو تم إستدعاؤها لتكملة التحقيق..
  • وإما قرار... نويت أن إتخذه... يكون علاجا أنجع من العقوبة... هكذا حدّث الضابط نفسه..!!
  •  ** يا عسكري... صاح الضابط مناديا..
  • ** تمام يا أفندم... إنتصب أماما العسكري.. ومؤديا التحية المعتادة..
  • ** أحضر لي مفتاح العربة من السائق... وحرر هذا المتهم من (الكلبشات) ...!!
  • فعل العسكري كل ذلك وهو في حيرة من أمر هذا الضابط... وخاصة عندما علم بأن الضابط سيصحب هذا المتهم بالعربه ولوحده دون حرس يتبعه..!! 

  • إلى أين ؟ 
  •  قرر الضابط أن يأخذ المتهم إلى ( الشقة ) التى ترك بها عروسة والتى هي في إنتظاره الآن بعد طال إنتظارها من بداية الليل وإلى الآن.. حيث تكاد الشمس على الظهور وهى أرسلت قبلها تباشير الصباح... الذي كان صباحا مظلم على تلك العروس وهي تضرب أخماسا في أسداس .. وعاجزة الحيلة .. فمن تسأل وإلى أين تذهب.. زال عنها كل ذلك حين سمعت طرقا على الباب .. إيقنها بأن الطارق يحمل لها نبأ .. خيرا.. كان أو شرا... لا يهم مادام أنه قد يزيل عنها حيرتها... قالت ذلك مع نفسها.. حاسمة بأن الطارق ليس هو زوجها.. لأنه يحمل معه مفتاح الشقة والذي كان قد أغلق الباب عليها لحظة خروجه .. 
  • ** من الطارق .. قالت بصوت ممذوج بالخوف والألم ووله الإنتظار.. 
  • ولكنها لم تنتظر طويلا .. فتح عليها زوجها .. وبصحبته ذلك الضابط... الذي لم يلبث معهما طويلا... وغفل راجعا... بعد أن أودع قولا لينا ونصحا كريما للزوج... وبدلا أن يكون مصيره غير ذلك إن كان قد حقق فيه جزاء ما أغترفه من جرم في حق تلك المسكينة التى إختارت العيش معه وأن يكون سببا في دمارها كأسرة أولا قبل أن يدمر نفسه نحو مصير مجهول كان ينتظره..
  •  
  • رجع الضابط... إلى المركز... ووسط دهشة عساكره... كتب على دفتر الأحوال... 
  • قبضنا على عريس .. متلبسا بتهمة التعاطي... والمعروضات.. (سيجارة بنقو) دسمة... 

  • لم نودعه (الحراسة)... وهو تزدانه (الحنة و الجرتق)...مع معتادي الجريمة.. حتى يتهكموا فيه ساخرين..!! 

  • فأودعناه... إلى سجنه الأبدي... حين كانت تنتظره حارسته ..والتى غاب عنها في لحظة طيش..  ولكننا أعدناه إليها لتنزل عليه العقوبة التى يستحقها .. (الإخلاص إليها.. وللأبد).. 
  • وختم... التقرير..
  • أنه روح القانون... أصحاب السعادة... !!
  • وإن أخطأت... فأنني سعيد بما تقررون

  • الضابط المناوب... قسم شرق النيل.

  • كان ذلك ... هو.. الملازم ثاني..
  • *عبدالرحيم فقيري*  (برعي)
  • الذي أحاله النظام البائد إلى المعاش... وهو في قمة عطاؤه.. 

  • فإرتحل إلى دولة قطر... مهاجرا .. يستفيد من قدراته من يعرف قدرها... إلى أن إرتحل من دنيانا الفانية فارسا راجلا.. أثر حادث حركة محزن وأليم قبل مدة وإن طالت او قصرت.. فأنه باقيا حيا... تعطرنا ذكراه على الدوام...
  • وإلى فسيح الجنات ... أخي برعي... 
  • فهل كانت.. وما فعلت... أن يأتي إلينا هؤلاء *المتأسلمين* ليعلمونا ... ما صنعت..؟!!

  • *عبدالحافظ الصافي*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق