- رسالة إلى عربي كادوقلي .. إقرأ هذا المقال فوراً .
- " إتفاقية المِلح " .. التي أبرمها يوسف كوه مكي مع القبائل العربية في جبال النوبة .
- عام 1993م تقريباً , أعلنت إئمة المساجد الذين يتبعون إلي تنظيم الجبهة الإسلامية بالسودان .. إن شعب جبال النوبة ( كافرون ) ومتمردون علي الحاكم .. ومن يخرج عن ملة الإسلام ويعصي الحاكم يجوز قتله دون هوادة .. وعلي ضوء هذه الفتوي العنصرية , حشد نظام البشير في ذلك الوقت مئات الألاف من الشباب ..وزج بهم في معسكرات التدريب بالقطينة والمرخيات ومعسكرات أخري في بعض الأقاليم .. لقنوهم بضع تدريبات عسكرية ومن ثمة أشتغلوا فيهم ( غسيل مخ) بشكل مكثف .. قالوا لهم :
- - الدين يأمرنا أن نحارب الخوارج والخارجون عن الملة والعاصون لأوامر الحاكم .. النوبة خرجوا عن الدين وعصوا امر الحاكم .. لذلك و وفقاً لتعاليم ديننا الحنيف سنقاتلهم أينما كانوا , ولن نرحم كل متعاون معهم .
- ولما جرت عملية الغسيل بشكل سلس وصاروا الشباب في ذلك الوقت كالقطيع .. شكلوا منهم قوة ضخمة من حيث العدد والعتاد .. جهزوهم بأحدث الأسلحة الجديدة .. كمية من الكلاشنكوف , والمدافع طويلة المدي ..ثم نظموهم في شكل متحرك أطلقوا عليه ( صيف العبور ) .
- كان متحرك صيف العبور يتكون من عدة ألويا , خليط بين الجيش والشباب المغسول أدمغتهم .. وكان يقودهم لواءان من الجيش ( اللواء 20 واللواء 500 المشهورة بالفوج خمسمائة أو " دينارية " ).
- مهمة هذا المتحرك هو القضاء علي الحركة الشعبية نهائياً وتطهير مناطق جبال النوبة من النوبة الكافرين علي حسب زعمهم , تحركت هذه القوات في صيف عام 1993 م تحت أسم ( متحرك صيف العبور ) .. وصلوا منطقة جبال النوبة , وسريعاً كالجراثيم أنتشروا في كل المنطقة , أحكموا قبضتهم علي مداخل والمخارج التي تؤدي الي مناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية .. فرضوا حصاراً عنيفاً علي مناطق الحركة .. قطعوا عنها جميع الإمدادات , ومنعوا القبائل العربية الرعوية من التجارة مع المتمردين كما يسمونهم , و من يُقبض متلبساً يبيع للخوارج شيء حتي لو رطل ملح يحكم عليه بالموت تحت شرعية التعاون مع الخوارج .
- لما يكتفوا بذلك .. طلبوا دعماً أخر من الخرطوم .. وكلمحة البرق جاءهم متحرك أخر تحت إسم ( المغيرات صبحا ) .
- هذه القوة كانت أشد بئساً وقتالاً وأكثر تجهيزاً .. ما ان وصلت ارض المعارك , خاضت معارك شرسة مع الحركة الشعبية وفرضت قوتها الأكثرية في المنطقة وألحقت ضرراً بالغاً بالحركة الشعبية .في ذلك الوقت كان يوجد عدد من الرفاق أستسلموا للعدو .
- متحرك المغيرات صبحا , ليست قوة مقاتلة وكفي .. بل قوة همجية في تعاملهم مع المواطنين , نهبت كل منطقة تدخلها ..حتي القري التي كانت تقع في طريقها كانوا ينهبوها ويسرقوا ( مواشي ) وإبقار الناس بقوة السلاح .. أكثر الناس تضرروا من عمليات النهب والسلب وسرقة الأبقار هم ( القبائل العربية الموجودة بالمنطقة ) .. نُهبت كل أبقارهم وقتل عدد كبير من الرعاة خاصةً قبائل ( الحوازمة , والبقارة , والمسيرية وناس دار نعيلا ودار عجول وأولاد غبوش ) .
- ولما أشتدت بهم وطئت تلك القوة وهذا المتحرك سيئة السمعة .. لجئوا بكل إرادتهم إلي قيادة الحركة الشعبية تطلب منهم النجدة وحماية أموالهم من القوة الغاشمة .. طلبوا لقاء مع يوسف كوه مكي قائد جبهة جبال النوبة , وعندما علم كوه مكي بهذا الخبر , دعاهم الي لقاء في منطقة (تُمة ) بالقرب من كرنقو عبدالله ) .. حضر وفد مكون من قبائل ( المسيرية , والحوازمة , والبقارة ودار نعيلا وعجول وناس أولاد غبوش ) . ولما بدء الإجتماع قال احد الوفد :
- - يا يوسف كوه .. نحن وفد رسمي نمثل قبائل المسيرية , والحوازمة , والبقارة .. جئنا ومعنا عدد كبير من ( جولات الملح ) حضرناه لكم كهدية منا .. لأننا نعلم إنكم تعانون من نقص حاد في الملح .. تخطينا بهم كل مناطق الحكومة .. وعرضنا نفسنا للخطر , وانتم تعلمون جيداً .. الحكومة إذا ضُبطت شخص معه رطل ملح وهو في طريقه الي مناطقكم سيكون عقابه الإعدام بحجة التعاون مع المتمردين .. ومع ذلك جاذفنا بحياتنا .. وهذا واقسم بالله كبادرة لحسن النوايا تجاهكم .
- قفز أخر في الحوار وقال :
- - نحن نعيش معكم في هذه المنطقة منذ مئات السنين , لم يُسرق منا بهائمنا .. لكن قوات الحكومة عندما دخلت المنطقة نهبت كل أبقارنا وقتلت عدد من الرعاة .. لقد كشفنا حقيقتهم .. إنهم يخدعوننا بإسم الدين والعروبة .. بينما يسرقون أموالنا ويشيدون بها عمارات في الخرطوم .. ونحن لا نملك ولا ( قُطية ) بس في الخرطوم .. لذلك نحن من اليوم معكم , نمد لكم أيدينا , سندعمكم بكل ما تحتاجنوه من ( ملح , وسكر وطعام وأفراد للقتال في صفكم ) سنوفر لكم المعلومات مقابل حماية أبقارنا من سطو الحكومة , سنشكل معكم تجانس مجتمعي بعيداً عن الصراع الدائر .. لاننا أصحاب هم واحد وقضية واحدة , والحكومة الأن لا تفرق بين نوباي , ومسيري , وحوازمي , وبقاري .
- ولما أنتهوا جميعاً من الحديث قال لهم يوسف كوه :
- - لقد قبلنا هديتكم ..الملح جاء في الوقت المناسب .. أنظروا الي هؤلاء ( ثم أشار الي أحد الجنود كان يبدو هزيلاً ) وقال :
- - هذا بسبب نقص الملح .. لقد أنقذتونا من الحصار المضروب علينا , ومن اليوم نعلن لكل الرفاق .. إن القبائل العربية في جبال النوبة شركاء في النضال والقضية ( واحدة ) هم أخوتنا ونحن أشقاءهم يجمعنا ارض جبال النوبة التي بها عدد كبير من القبائل ..و يتمني العدو ان يفرق بيننا , ومن هنا نسمي هذا اللقاء او هذا الإتفاق .. ( بإتفاقية الملح ) .. ثم ضحكوا جميعاً وتصافحوا فيما بينهم .. ومنذ ذلك الوقت كل القبائل العربية في جبال النوبة تعيش في امن وامان.. لكن هناك من يريد زحزحت هذا التعايش السلمي لغرض في نفسه.
- عزيزي القارئ الكريم :
- هذه الإتفاقية تم توثيقها في ذلك الوقت بالصورة والصوت .. وموجودة الأن في أرشيف تليفزيون دولة جنوب السودان ) .. سأبذل قصاري جهدي للحصول علي نسخة منها وأنزلها لكم كمادة إرشيفية .. لأنها إتفاقية مهمة للغاية , خاصةً في هذا الوقت الذي بدء النظام يلعب علي سياسة فرق تسد بين قبائل اقليم جبال النوبة .
- أ/ ضحية سرير توتو / القاهرة .
▼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق