الاثنين، 27 أبريل 2020

هل السودان يتعرض لابتزاز

*هل يتعرض السودان للابتزاز  ؟*
بروفيسور محمد حسين ابوصالح

هل دخل السودان مرحلة قد يتعرض فيها لابتزاز استراتيجي بعد عقود طويلة من ضعف التفكير الوطني الحكيم ؟؟

تحدثت في فيديو سابق عن الصراع الاستراتيجي الدولي حول المصالح وموقع السودان منه وأوضحت أن مشكلة السودان تكمن في ثرواته الهائلة من مصادر الطاقة كالغاز والنفط واليورانيوم ومصادر المياه والطاقة والمعادن الاستراتيجية  من ذهب وحديد ونحاس  وكروم  ومنجنيز وتيتانيوم والمونيوم.... الخ،  بجانب الموقع الجغرافي للسودان الذي يؤهله لعبور الممر الإفريقي وطريق الحرير من البحر  الاحمر إلى العمق الإفريقي ، حيث يتوقع عبور حوالي 20 % من التجارة الدولية، وهذا  واحد  من أهم أسباب الأجندة الأجنبية في السيطرة على ساحل البحر الاحمر  السوداني..

لذلك  ظل السودان وخلال العقود الماضية يواجه استراتيجيات متقنة ومتكاملة لتجهيز المسرح وإضعاف السودان تمهيدا لتمرير الاجندة والمصالح الاجنبية ،

كانت أهم أدوات هذه الاستراتيجيات( عدة الشغل ) هي التفتيت الوجداني عن طريق إثارة ودعم الفتن العرقية والجهوية والدينية،  وكذلك العقوبات الآحادية ومصيدة الديون والإضعاف الاقتصادي للدولة، الاجندة السياسية للمؤسسات  الدولية ، المالية والنقدية والتجارية ، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، بجانب صناعة الأزمات المتكررة، عبر استخدام علم ( crisis industry) وغير ذلك.

لاحظوا معي التلكوء  والتباطوء الدولي الواضح في عدم دعم الحكومة الانتقالية الحاليةً ،

ذلك لأن أصحاب المصالح في انتظار لحظة الصفر، برفع الدعم وكارثة الاسعار ومن ثم  انفجار الأوضاع وتآكل  الأجور  ، .. *عمل مرتب* 

الرؤية السريعة الشاملة للاوضاع الاقتصادية في السودان تشير لانخفاض العملة من *12 جنيه للدولار في 1990 الى 105 الف جنيه الآن ، أو بمعنى آخر انخفاض قيمة المرتب في المتوسط  إلى حوالي 10 % .. هذا يعني أن الشخص الكان مرتبه 2000 جنيه ، والتي تساوي 400 دولار عندما كان سعر الصرف 5* *جنيه، أصبحت تساوي الآن 20* *دولار*، أي أن هناك فرقاً مهولاً في القوة الشرائية المفقودة  لهذا المواطن تبلغ  380 دولار،  هي عبارة مصانع ومزارع توقفت وعمال تشردوا ..
وبمقارنة أخرى نجد أن قيمة المياه للمنزل والتي كانت تبلغ 30 ج تعادل 6 دولار،  أصبحت الآن  تساوي ففط 30  سنت  ،  ما يعني قياسا على هذا ،  تأكل وتدني جودة خدمات التعليم والصحة  والبيئة والمواصلات ... إلخ ، وصولاً لانهيار الدولة ..
تدمير منظم في ظل رؤية وطنية ضعيفة ...
نحن الآن علمياً في مرحلة الـ *finishing*  للمسار الاستراتيجي الطويل للاستراتيجيات الأجنبية،  المسرح السوداني جاهز للابتزاز وفرض الاجندة  إذا لم نتصرف *بمسئولية...

هناك أسباب تفاقم من ضعف الدولة ، اهمها :

*غياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية الجامعة التي تتناسب والتعقيدات المحلية والدولية .

*الاستقطاب الحاد في الساحة الوطنية وتباين المشاعر الوطنية.

*ضعف الأداء المؤسسي.

*ضعف منظومة صناعة القرار الاستراتيجي الناجم عن:
غياب العقل الاستراتيجي.

*ضعف العلاقة بين مستودعات الفكر والمعرفة والإبداع من جهة والسلطة السياسية والتنفيذية.

 *ضعف الأداء الاقتصادي والاجتماعي .
التضخم ، انخفاض قيمة العملة، تآكل قيمة الأجور ، العطالة، تدني مستوى التعليم والصحة والخدمات

*ضعف الإرادة الوطنية التي باتت تسهل من تمرير الأجندة الضيقة  بدلا عن الاجندة الوطنية في كثير من الاحيان.

*الالتفات الى الماضي ومراراته وما يرتبط بذلك من تصفية حسابات وانتقام.
بدلا عن التوجه نحو المستقبل  وما يرتبط بذلك من تخطيط وانتاج معرفي وتراضي وطني .
الالتفات الى الخارج دون اهتمام كافي للالتفات للداخل رغم المد الثوري والاندفاع الوجداني لخدمة الوطن..

 *كل هذا قد يقود الى عدد من المخاطر والمهددات،  منها :

*تهديد نصيب السودان في مياه النيل.

*تهديد المياه الجوفية
إبرام *اتفاقات  مجحفة* حول ثروات السودان من الأراضي والمعادن .

*التغول على الحدود السودانية .
 *اتفاقيات مجحفة حول موانئ* البحر الأحمر....  الخ

 كل ذلك يعلن دخول الوطن *لاستعمار جديد وطبقية جديدة وعهد إقطاع جديد وتهديد الامن القومي ومصالح الأجيال القادمة..

 *التحدي الآن هو تحدي التأسيس لصناعة المستقبل ، وقبل ذلك يبرز تحدي الحفاظ على استقلال السودان وصيانته..

المعركة الآن معركة فكر ومعرفة وإبداع 
معركة تحتاج لرؤية وطن
 *وسلوك  وطن
 *وهم وطن
فلنترك الأجندة الضيقة والأنانية والممارسة التقليدية للسياسة  ونرتقي لرحاب الوطن
 *حتى لا يأتي يوم لا نجد فيه هذا الوطن إلا في ذاكرة التاريخ.

علينا الاحتماء بالداخل قبل الخارج..
موارد ومزايا السودان تحتم عليه الدخول في حوار استراتيجي خارجي يؤسس لمصالح عادلة ...  إلا أن ذلك يتعذر دون حوار استراتيجي داخلي يسبق ذلك..
نحن في حاجة لمؤتمر استراتيجي سوداني داخلي قبل المؤتمر الدستوري ..

لا يوجد في علم الاستراتيجية التي ينتهجها العالم اليوم مصطلح اسمه الأصدقاء وإنما المصالح،  بينما تراجعت الابعاد الاخلاقية الى حد كبير..
نحن في حاجة لمؤتمر أبناء السودان قبل ما يسمى بمؤتمر اصدقاء السودان..

 *بروفيسور محمد حسين سليمان أبو صالح*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق